المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللآلئ العشر الحسان لسالك طريق الجنان


السفير
26-06-2012, 02:47 AM
للؤلؤة الأولى // الاستقامة استجابة لأمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم :

وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية متواترة في تأييد وتأكيد هذا المعنى

حيث قال الله تعالى في محكم التنزيل ? فاستقيموا إليه واستغفروه ?

وقال عز وجل ? فاستقم كما أمرت ? وقال النبي عليه الصلاة والسلام (( استقيموا ولن تحصوا )) وكذا قال في حديث آخر (( قل آمنت بالله ثم استقم )) .. وبهذا يتبين أن الاستقامة ليست كما يفهم كثير من الناس في زمننا أنها خيار من الخيارات لك أن تختارها ولك أن تعرض عنها وقد وجدنا في زماننا من يستشهد بآية سورة الكهف ? فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ? وهذا غلط وخطأ بيّن في فهم الآية وتفسيرها ولذا فإن من اختار الضلالة قص الله لنا عاقبته حيث قال جل من قائل في تتمة آية الكهف ? إنا أعتدنا للظالمين نارًا أحاط بهم سرادقها ... ? الآية .. حتى لا يتصور المرء أن الخيارات مفتوحة متروكة على عواهنها.. وطريق الاستقامة أيها المبارك هو طريق الأنبياء الذي ساروا فيه حتى لقوا ربهم عز وجل وهو عنهم راض وكان خاتمهم وآخرهم نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي الذي شيبته آية هود? فاستقم كما أمرت ? كما ورد في بعض الروايات لحديث (( شيبتني هود وأخواتها )) ..
لذلك من سار في طريق الاستقامة يسير في طريق النبي محمد إمام المتقين وسيد المرسلين وحبيب رب العالمين صلوات ربي وسلامه عليه فإن لاقى ساخرًا أو مستهزئـًا ..
فليتساءل هل هناك من هو خير من هذا النبي فأتبعه وأفضل من هذا الرسول فأقتدي به ؟
الجواب بلا مواربة ولا أدنى شك : لا ..
فكيف بكثير من شباب الأمة يضلون وينحرفون عن طريق محمد عليه الصلاة والسلام
لأدنى همز ولمز يلحق بهم ؟؟!!!
ألم يؤذ أنبياء الله ورسله وهم خير وأشرف ؟؟!!!
ألم يقتل بعضهم ويضرب ويسفه آخرون ؟؟!!!
بلى والله .. لكنهم يا أخي أيقنوا حق اليقين أن? العاقبة للمتقين ? كما وعد الله سبحانه في كتابه .. وأعظم فائدة من ترسيخ هذه النقطة في نفوسنا هي : الثقة والاستمساك بهذا الدين والتضحية بكل غال ونفيس من أجل الثبات عليه ولقاء الله به بإذن الله ..



اللؤلؤة الثانية // الاهتمام بالنفس (( بناء وتزكية )) من أعظم دلالات الصدق مع الله :

قد نرى عددا لا يستهان به يقررون التمسك بهذا الدين والاستقامة عليه ثم ما يلبثوا بعد أعوام وسنين إلا أن يتخلوا عما كانوا عليه ويحيدون عن صراط الله .. فإذا تأملت في ذلك تجد أن السر كامن في النفس لا يعلمه إلا الله فلو صدق العبد مع ربه ولجأ إليه حق اللجأ وخضع لأمره حق الخضوع وسعى في تزكية نفسه وبنائها وترقيتها في مراقي الكمالات مع ربها لثبته الله وزاده هدى ? والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ? ..
فلابد أن نصدق مع ربنا ونبدأ في تزكية نفوسنا ونحرص على بنائها ونجعلها نفسا تواقة لاترض إلا بالفردوس الأعلى من جنات النعيم نسأل الله من فضله ? قد أفلح من زكاها ?
وقد جاء هذا الجواب بعد أحد عشر قسمًا في سورة الشمس ..
وهذا البناء له طريقه وهذه التزكية لها سبيلها وهذا العمل له مسلكه ..

ألا أيها المبارك فلتعلم أن أس العمل وأساسه مبني على صلاح القلب وإصلاحه ونقائه وتنقيته وطهره وتطهيره .. ولذا وجب علينا جميعا أن نلتفت لما في قلوبنا وألا نجعل فيها أحدا غيره مهما علوا وارتفعوا في قدرهم عندنا ..

البناء والعمل هما السر الجوهري في ثبات المؤمن أزمان المحن وأوقات الزلازل و الإحن .. فلا مقارنة بين إنسان يفني عمره في بناء نفسه وتزكيتها وبين آخر وكل نفسه إلى ما حصل لها بادئ الأمر واعتقد أن وقت التحصيل قد انتهى وجاء وقت العطاء فقط ..


اللؤلؤة الثالثة // كثرة السالكين لا تعني صحة الطريق :


يفتتن بعض الناس بكثرة السالكين لطريق معين فيتوهمون أنه خير سبيل وأصوب طريق ولو تأملت أيها الأمل المنتظر في كتاب الله عز وجل وتدبرت آياته لوجدت أن الله جل وعلا لم يمتدح الكثرة في كتابه قط بل قال عز من قائل ? وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ? وقال سبحانه أيضا ? كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ?

وقد ألمح الإمام ابن القيم رحمه الله إلى لطيفة بديعة حيث قال ( لا تنظر إلى الهالك كيف هلك ولكن انظر إلى الناجي كيف نجا ) وهو بهذا يشير إلى أن الهالكين كثير فلا تنشغل بهم بل الزم طريق الناجين و سر في ركابهم و اسلك سبيلهم و تتبع آثارهم .
.
في هذا الزمان اختلط على الناس كثير من أمور دينهم فالذي كان محرمًا أصبح عند أناس حلالا وما كان مكروهًا أصبح عند آخرين مستحبًا وقد أصبح - والله المستعان - الحليم حيرانـًا .. فلا غرو أن تجد أصنافـًا من الناس يستحلون محرمات حرمها الله بنص كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته بل ويسمونها بغير أسمائها فقد تغير اسم الخمر وتغيرت تسمية الموسيقى واستبدل مصطلح الكافر بالآخر وهكذا دواليك ..
ولن يقفوا عند هذا بل هم مستمرون في التراجع والتفلت من هذا الدين شيئا فشيئا عياذا بالله .. فهل معنى هذا أننا سنعيش تائهين حائرين ؟؟
لا ورب الكعبة فمصادرنا التي نتحاكم إليها واضحة جلية لا غبار عليها ..

(( تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدًا كتاب الله وسنتي ))
نعم كتاب الله تبارك وتعالى وسنة النبي عليه الصلاة والسلام على فهم السلف الأخيار رحمهم الله تعالى .. وهذه الأخيرة ( فهم السلف الأخيار رحمة الله عليهم ) هي التي قصمت ظهور كثير من أهل الأهواء .

وقد تسمع وترى اليوم من يقول : لا داعي ولا حاجة لفهم السلف ففهمهم خاص بهم ولابد أن نفهم ديننا فهمًا خاصًا بنا مناسبًا لزماننا فضلوا وأضلوا .. نسأل الله السلامة ..
ألا تراهم يبتدعون في الدين بدعًا عجيبة غريبة ما أنزل الله بها من سلطان وهم في ذات الوقت يستدلون على ذلك بآيات وأحاديث و يقرأونها قراءة خاصة بهم ..
وهي ما يسمونه اليوم : إعادة قراءة النصوص .. وإعادة فهمها ..

ونخرج من هذه النقطة بفائدة مهمة وهي :

أننا لا نسلم لكل أحد بما يقول خاصة الآراء الشاذة التي تخالف ما عليه سلف الأمة من العلماء الأكابر ومن تبعهم من أهل الفضل والعلم .. وبهذا ستنضبط كثير من مرئياتنا وقناعاتنا ..



اللؤلؤة الرابعة // الخلاف لا يعني الاختلاف :


سنجد خلافات وأقوالا في بعض المسائل وكذلك في بعض الرؤى و النظرات فلابد حينها
أن نفهم أنّ خلافنا مع أحد كائنا من كان لا يعني أنه عدو لنا ونحن أعداء له بل من المحتم علينا أن نحترم بعضنا ونقدر إخواننا ولعل لهم عذر ووجه في هذا الخلاف .. خصوصا فيما يسوغ فيه الخلاف ويكون خلافا معتبرا ..ومن المهم أيضًا أن نفهم ويفهمون هم كذلك أنه من الخطأ إجبار الآخرين وإكراههم على ما نحن عليه أو يمارسون هم أسلوب الإجبار والإكراه معنا لأن هذا دلالة ضعف وخور أكثر من كونه دلالة قوة وسلطان وهذا هو ذات الأسلوب الذي استخدمه فرعون مع قومه ? ما أريكم إلا ما أرى ? ..

فلنتعلم أثناء حوارنا مع الآخرين ونقاشاتنا معهم طرائق التأدب والاحترام وكذلك نبين لهم أن نقاشنا لبعضنا ليس تخطئة وتجريمًا بل هو سعي في طلب الحق فلنحترم بعضنا ولنقدّر ذواتنا ولنتفادى السب والشتائم والانتقاص والتسفيه لأنها لا تأت بخير ..

من المهم أن نعود أنفسنا على ثبات الشخصية وعدم التذبذب لأن ذلك مؤثر في قبول الناس لما نحن عليه ولما ندعو له .. فلا يصلح أن نكون كل يوم برأي .. بل بعضهم كلامه في الليل يختلف عن كلامه في الصباح ..

ونخرج من هذه النقطة بالتالي //

أ ) رفض طريقة الإجبار والإكراه لأننا ننشد الحق لا ننشد نصرة كلامنا وآرائنا .
ب ) خلافنا مع أي شخص لا يعني أنه انضم لدائرة الأعداء والمناوئين .
ج ) فهم الرأي واستيعابه (التأصيل)قبل القناعة به و تثبيته مهم جدًا لأن ذلك مؤثر في ثبات
الشخصية.
د ) الاحترام والتقدير لمن نناقش ونحاور ولو سبّ وشتم (عامل الناس بأخلاقك لا بأخلاقهم ).



اللؤلؤة الخامسة // الذي لا يؤثر في الناس إيجابًا يتأثر بسلبياتهم :


من أعظم الأمور التي ينبغي الإشارة إليها مسألة التأثير سواء تأثرك أنت أو تأثيرك فإذا لم يتنبه الإنسان إلى أن الخير الذي وصله لابد أن يوصله هو بدوره إلى الناس ويغرسه فيهم ويدعوهم إليه فليعلم علمًا يقينيًا بأنه يتراجع ويتخلى وكذلك في ذات الوقت هو يتأثر بما عندهم من الخطأ فيصبح مستساغـًا مقبولا عنده .. فإذا رأى الإنسان ما يسوؤه أو يكدر صفوه فلا أقل من أن يغادر هذا المكان إن أمكنه ذلك .. ولو استطاع تغييره وإصلاح ما فسد فهذا خير عظيم .. نلتقي أحيانـًا بأناس سيئين يمارسون أخطاء .. ويرتكبون منكرات ..

ويتلبسون بخطيئات دون أدنى حياء وحشمة .. وينقسم الناس حينها إلى أقسام فمنهم من يستطيع أن يغير ما يراه بحوار هادف ونقاش هادئ وكلمة طيبة ونصيحة صادقة فهذا أرفع القوم وأكملهم .. ومنهم من يرضى بالانسحاب فقط مع وجود ألم وحسرة لما يراه ويسمعه وهذا أقل من الأول .. ومنهم من ينسحب ويترك المجال لهم ولكنه لا يجد في نفسه حرقة و ألم وهذا أقل من الإثنين .. أما أدنى القوم وأذلهم هو الذي يبقى ويرضى بما يراه وهو إقرار منه وعذره في ذلك الصنيع كل إنسان يتصرف كما يشاء لن أكون سلطانـًا على عباده وهذه قمة الجهل والسفه !!!


اللؤلؤة السادسة // لا تلتفت إلى الوراء لأنك ربما تقف :


هذه القاعدة كتبتها لك أيها الهمام لتتأملها جيدًا لأننا نرى اليوم من تراجع ونكص على عقبيه بسبب التفاته المتكرر إلى الوراء ونظره إلى ماضيه على أنه قيد في يديه وقدميه لا يستطيع معه الانطلاق فكلما انبعثت همته وتاقت نفسه إذا بتاريخه أسودًا كان لونه أو رماديًا يَمثـُل أمامه كعقبة كؤود وحاجز يتمنع عليه تخطيه .. ولا يعني هذا ألا ينظر المرء إلى الوراء محاسبة لنفسه ومتابعة لسيره وتقويما لخطواته بل هذا مطلوب .. ولكن الذي أحذرك منه أشد التحذير النظر إلى الوراء ( الماضي ) على أنه حجر عثرة يقف في طريقك إلى ربك ويعرقل سيرك إلى خالقك .. وأيضا لا تلتفت لمن يذكرك بماض ولـّى وانقضى وبأخطاء تجاوزتها وتخطيتها وكأنه بهذا يدعوك للعودة ويناديك للرجعة إلى سابق عهدك الذي كنت فيه بعيدا عن ربك مجانبًا طريق الصواب وتأمل معي كيف حكى لنا القرآن مثل هذا ..

يقول الدكتور مجدي الهلالي حفظه الله : (( وقديمًا حاول فرعون تذكير موسى عليه السلام بماضيه والعمل على ربطه به وتقييمه من خلال صورته القديمة عنده ? قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين * وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ? فلم ينف موسى عليه السلام التهمة عن نفسه بل نبه فرعون إلى التغيير الذي حدث له ووضعه الجديد الذي أكرمه الله به ? قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين * ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكمًا وجعلني من المرسلين ? )) .. اهـ

فتخلق يا أخي بخلق الأنبياء ولا تستجب لكل نداءات المثبطين المغرضين الذين لا يحبون أن يروا فلانـًا - الذي خبروه وعرفوه - خيرًا منهم فتراهم يسعون في هدم قناته وصدع بنيانه ولن يقف أمام موجهم الهادر إلا صخرة كالجبل تتكسر عليها أمواجهم ويعودوا بخفيّ حنين بائسين خاسرين فتمضي أنت إلى ربك منتصرا على كل شيء صانعا من ماضيك سلمًا تصعد به إلى مولاك وتعجل إليه ? وعجلت إليك رب لترضى ? ..
ثم كن على يقين أن الالتفاتة الواحدة إلى الوراء تؤخرك عن كثير من التقدم إلى الأمام .. فخير لك أن تنطلق لأن الفترة التي ستعيشها قصيرة والزمن محدود والوقت كما قيل ( سريع التقضي أبيّ التأتي ) ..
ثم هل بلغك أن الغزال أسرع من الفهد ؟؟
ولكن الفهد يستطيع افتراس الغزال إذا أكثر الغزال من الالتفات !!

و نخرج من هذه اللؤلؤة بالتالي :

1) لا تلتفت إلى كل ما يذكرك بماض غير جيد لأن ثمن ذلك باهض !!!
2) لا نقصد بعدم الالتفات إلى الماضي : محاسبة النفس على التقصير وتقويم العمل وإنما
نقصد الالتفاتة التي ترجع بنا إلى الوراء .
3) شعارنا : ? وعجلت إليك رب لترضى ? .


اللؤلؤة السابعة // العـلم .. العـلم :


أيها السائر إلى الله إن كل من يسير في طريق ويسلك سبيلا لا بد له من دليل ومرشد يدله ويرشده ليبلغ هدفه ويصل إلى مقصوده ولا يشك عاقل في أن العلم هو الدليل الوفي لكل سائر إلى ربه ..كيف لا ؟؟ فهذا ابن القيم رحمه الله يقول (( إن لم يصحب العلم السالك من أول قدم يضعه في الطريق إلى آخر قدم ينتهي إليه فسلوكه على غير طريق ، وهو مقطوع عليه طريق الوصول مسدود عليه سبل الهدى والفلاح مغلقة عنه أبوابها ولم ينه عن العلم إلا قطاع الطريق ونواب إبليس )) ..

نعم يا أخي .. هانحن اليوم نعاني مرارة الجهل المتمثلة في بعض التصرفات التي نقوم بها أو نراها من بعض إخواننا وليس أسهل على إبليس من سائر جاهل لا يعرف إلى أين يسير فيسيء من حيث أراد الإحسان .. وفي أزمان الفتن والبلايا .. والمحن والرزايا .. يكون العلم أكثر وجوبًا من غيره .. تعال إلى كتاب ربك عز وجل وانظر كيف أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام بدعائه تبارك وتعالى بالزيادة من العلم ? وقل رب زدني علمًا ? ..

ولكن أنصت إلي بسمعك وأحضر قلبك وأشهد جنانك لأدلك دلالات مهمة حول العلم ..

1) بعد استقراء يسير لبعض آيات الله في كتابه وجدت أن الله سبحانه وتعالى يربط بين التقوى والعلم فلا ينال العلم الحقيقي إلا متق لله محبوب عنده قال الله تعالى في محكم التنزيل :
? واتقوا الله ويعلمكم الله ? ولو تأملت آية? قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون?
لوجدت أن الآية التي قبلها كانت تتحدث عن قيام الليل والعمل في الله في الخلوات .. ولذلك هؤلاء هم أهل العلم حقا .. وكما قال الإمام أحمد رحمه الله : وهل العلم إلا خشية الله ؟؟!!!
وأصدق من ذلك قول ربنا جل وعلا : ? إنما يخشى الله من عباده العلماء ? نسأل الله من فضله .. فالله الله في تحصيل العلم المقرب إلى الله الباعث إلى السير إليه بخطى ثابتة ..

2) إن كان العلم مهما جدا فليس بأقل منه أهمية مصدر العلم (( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم )) فلا يصح ولا يقبل من أحد أن يتساهل في اختياره لمصدر العلم الذي يتلقاه بل من الواجب عليه أن يجتهد كثيرا في اختيار المصدر الموثوق الذي يصل به إلى علم ينفعه في دينه ودنياه .. يجتهد في تحري حال من يأخذ عنهم دينه ولا يعقل أن يتلقف كل شاردة وواردة من كل متكلم ..
لأننا اليوم نرى من يتكلمون في أمور لو كانت في عهد عمر الفاروق لجمع لها أهل بدر وتجدهم يخوضون فيها على الشاشات والقنوات كأنها مسألة سهلة يسيرة لا حظ لها تستحقه من النظر والتدقيق وهذه التي أوتينا منها والله المستعان في عصرنا ..
فحاول قدر استطاعتك ألا تأخذ العلم إلا عن علماء عاملين صادقين وهم ولله الحمد قد ملأوا سمع الكون وبصره بسيرهم العطرة الطاهرة..

3) أعط العلم كلك يعطيك بعضه .. لا بد يا أيها المبارك أن تأخذ بالحسبان أن العلم يحتاج منك لبذل وجهد وتضحيات فكن على استعداد لتقديمها رخيصة في سبيل تحصيله ليرضى عنك ربك ويحبك مولاك وتقترب من خالقك .. ولا تلتفت لأولئك الرهط الذين يهونون من أمر العلم وتحصيله .. بل امض قدما في سبيل العلم .. وصدقه بالعمل حتى تبرهن على صدق النية في تحصيله ..



اللؤلؤة الثامنة // شاور .. واستخـدم عقول الآخرين :

تأمل يا أخي الموفق تربية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم كيف كانت .. ألم تقرأ يوما من الأيام قوله تعالى حاثا نبيه وآمرًا له ? وشاورهم في الأمر ? ؟؟
ألم ينقدح في ذهنك تساؤل محتواه لماذا يطالبه بالاستشارة وهو مؤيد بالوحي من السماء ؟؟ إنها التربية الربانية ..
لكي يتربى الأتباع أيضـًا من بعد نبيهم عليه صلاة الله وسلامه على مبدأ الاستشارة ..
وليعلموا أن أمرها عظيم وشأنها جسيم بل سمى الله سورة في القرآن بالشورى .

إننا حين نربي أنفسنا على مبدأ الشورى مهما بلغنا من الفهم والوعي والاستيعاب والخبرة نجعل لأنفسنا سندًا ومعينـًا يدعّم تصرفاتنا ويضبط ردات أفعالنا فإنه بلا ريب ليس عقل الواحد كعقل الإثنين وعقل الإثنين كعقل الخمسة وهكذا.. وكلما تربت النفوس على الاستشارة تخلصت من داء عضال هو التفرد والاستقلال بالرأي والصدور عن رأي النفس فقط دون النظر إلى أي شيء آخر ..
وقد يوفقك الله إلى أخ ناصح أو مرب ناجح فمثل هذا عض عليه بالنواجذ ..

ولعلي أذكرك هنا بأنه ليس كل أحد مؤهلا لأن يكون مستشارًا ولذلك حاول أن تراعي الصفات التي لابد أن تتوفر في المستشار ..

ومن أبرزها : الصدق في النصح وكذلك العلم والدراية فيما يستشار فيه وأيضـًا لا تغفل عن جانب الخبرة والتجربة فإنها تلعب دورًا بارزًا في المشورة .. وصفات أخرى ..

إن استشارتك لا تعني أنك ضعيف أو جاهل لا تفقه بل يعني أنك حريص على أن تكون قراراتك وتصرفاتك وعملك منبثق عن دراسة وبحث وسؤال وليست خبط عشواء ..

دعنا نتساءل سؤالا مهمًا أرجو أن تحضر ذهنك وتستجمع حواسك :
هل تقف الاستشارة عند حد معين ومنزلة معينة ؟؟
أريد منك أن تسأل نفسك بكل تجرد .. للأسف هناك من يعتقد أنه في منأى عن الاستشارة
ولا يحتاج إليها لقدراته الفذة ومهاراته العالية وهو بهذا قد حرم نفسه كثيرًا من الخير ..
فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يستشير صحابته في بدر ويأخذ برأيهم ، ويستشيرهم في أحد ويستجيب لمشورتهم فكيف بهذا يعتقد أنه مستغن ؟؟!!

سأهديك عبر هذه اللؤلؤة كلمة خالدة سارت بها الركبان وعمل بها كثيرون ووجدوا أثرها وبصمتها إنها (( ما خاب من استخار وما ندم من استشار )) .. نعم والله ما خاب ولا ندم ..

نخرج من هذه اللؤلؤة بالتالي :

1) الاستشارة ضمان صواب لكثير من الأعمال التي نقوم بها .
2) لا تقف عن استشارة غيرك ولو بلغت ما بلغت .
3) عقل الإثنين خير من عقل الواحد .. والخمسة خير من الإثنين .
4) ليس هناك تعارض بين الاستشارة وبين القدرة على اتخاذ القرارت
5) تخير من تستشير ولا يكن كل أحد مصبًا لموضوعاتك بل اصطف المستشار اصطفاءً .


اللؤلؤة التاسعة // محط نظر الرب جل وعلا :


القلب وما أدراك ما القلب !! هذه المضغة الصغيرة التي بصلاحها يصلح كل شيء وبفسادها يفسد كل شيء والعياذ بالله .. من المسلمات أن تسأل نفسك بشكل دائم :: كيف هو قلبي ؟؟
لأن القلب سريع التقلب ولهذا سمي القلب قلبًا ..وهذا بين أيدينا حديث النبي صلى الله عليه وسلم :: (( القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء ))
وقد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام كان كثيرا ما يدعو في سجوده (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )) ألسنا يا أخي الغالي أحوج إلى هذا الدعاء من كل أحد غيرنا ؟؟
بلى والله .. لأننا نعيش في زمن الفتن والبلايا التي إن تشربتها قلوبنا لم تخرج منها أبدًا إلا أن يشاء الله رب العالمين .. نسأل الله السلامة ..

أدمن سؤال نفسك ::
ماذا صنعت من أجل صلاح قلبي وسلامة جناني ونقاء فؤادي ؟؟
كم من الأعمال القلبية أقوم به ؟؟
كيف صدقي مع الله ؟؟
كيف توكلي على الله ؟؟
كيف إخلاصي لله ؟؟
كيف وكيف وكيف ؟؟

وقد بين الله جل جلاله في كتابه أن النفع الكبير لن يتحقق إلا لصاحب القلب السليم حيث قال سبحانه وتعالى :: ?يوم لاينفع مال ولابنون * إلا من أتى الله بقلب سليم ? ولهذا وجب على كل سائر إلى ربه طالب لمرضاته أن يتفحص هذا القلب في كل حين لأن الله عليم بكل ما فيه من أسرار ومكنونات تخفى على بني آدم ?إن الله عليم بذات الصدور ? ..

يا قرة العين سأهديك طريقة بالغة الأثر في إصلاح هذا القلب معينة في تقدمه عند ربه على كثير من القلوب إنها الاستشعار .. نعم والله الاستشعار ..

لو تساءلت أنا وأنت عن عدد المواقف والعبر والعظات التي تحصل معنا في يومنا وليلتنا لوجدنا عددا هائلا من المواقف ثم هيا لنتساءل بعمق أكثر :: أين هي بصمتها وأثرها علينا ؟؟ أم أنها مرت مرور الكرام وكأن شيئا لم يكن !!

قد نرى عجوزا هرمة في الطريق لا تجد ما تأكله فهل استشعرنا عظيم نعمة الله علينا بأن سترنا في بيوتنا وجعلنا ممن يأكل ما يريد ويشرب مايريد ...

وقد نرى زحامًا شديدا عند محل معين بحثــًا عن سلعة معينة وقد تكدست الجموع عند الأبواب فنستشعر الزحام عند أبواب الجنان وهل سنكون من المزاحمين ؟؟

ونرى مقبرة ونحن سائرون بمركباتنا فهل نستشعر دنو الأجل والموعد الذي لايتأجل ؟؟ وغيرها من المواقف الكثير والكثير .. يمنعني من سرد بعضها الإطالة ولكن حسبي من القلادة ما أحاط بالعنق ..
إن أجمل ما في الاستشعار أنه بينك وبين خالقك وكلما كان العبد الصادق أكثر استشعارا كلما رزقه ربه حلاوة في قلبه يجدها ويذوقها ويشعر بها ..

اسأل إن شئت من يقف بعرفة في الحج وهو يستشعر عظمة الموقف ..
واسأل إن شئت الذي يرمي الجمرات بقلبه قبل أن يرميها بيده ..
واسأل إن شئت المصلي الذي يستشعر حضور الرب تلقاء وجهه في صلاته ..
اسألهم لتتعرف على أسرار القلوب ولتكتشف بنفسك كيف أن القلب إذا عمل عمله الذي أراده له ربه وخالقه وجد ما وعده الله به من صلاح وتقى ..
واحذر أولئك الذين تخالف صورهم ومظاهرهم أوامر الله ويكتفون بالإجابة عند سؤالهم بأن الإيمان في القلب !! عجبًا والله ..

عمل القلب الذي أقصده وأدلك عليه هو ذلك العمل الذي تبدو آثاره على ظاهرك ..
إن هذا القلب ملك والأعضاء جنوده فإذا صلح الملك صلحت الجنود وإذا فسد الملك فسدت الجنود .. اعتن بقلبك أشد العناية واحرسه أشد الحراسة وفتش في جنباته واحذر أن يسكن سويداءه غير الله جل جلاله .. لاتزاحم ربك في قلبك بغيره لأن الله غني عنك وعن قلبك..
بل اجعل قلبك لله خالصًا .. واجعل شعارك :: قلبي مع ربي ..

ونخرج من هذه اللؤلؤة بالتالي :

1) دوام التفتيش في القلب ضرورة ملحة خاصة في مثل زمننا الحاضر.
2) العمل القلبي يظهر أثره على الظاهر ولا انفصال بينهما ولكن العمل القلبي هو الأصل .
3) تعلم الاستشعار وتفكر في كل موقف ولو كان بسيطـًا ستجد أن له رابط يذكرك بربك
ويقربك منه .
4) أخلص تخلص .. صدق مع الله فصدقه الله .. ومن يتوكل على الله فهو حسبه ..


اللؤلؤة العاشرة // الخطأ لا يعني النهاية :


لقد تعمدت أن أختم لك اللآلئ بهذه اللؤلؤة لأنها إذا ترسخت في قلبك وتشربتها نفسك فستصبح من ألد أعداء الشيطان وهذا أعظم ما نرغب أن نصل إليه ..
في البداية ماذا نعني بالخطأ ؟
إن هذا الخطأ قد يكون معصية أو ذنبًا أو سلوكا غير سوي ..
هذه وغيرها هي الأخطاء ..

وقد يبلغ الواحد منا مبلغا كبيرا من الاستقامة والعلم والبناء والتزكية والتأثير الإيجابي في الآخرين وعدم الالتفات إلى ماضيه غير الجيد والمشورة والاهتمام بأعمال القلوب وهذا فضل من الله ونعمة ..
ولكنه قطعًا لن يصل إلى مرحلة يصبح فيها بلا خطأ صغيرا كان أو كبيرا ..
نعم حتى الأخطاء الكبيرة محتملة .. تأملها في كتاب الله لمّا بيّن الله صفات المتقين ذكر من صفاتهم أنهم قد يقعون في فاحشة ..
يا الله متقي ويفعل فاحشة !!!

نعم قد تقع منه ولكن له ما يميزه عن غيره من أولئك الذين يقعون في الفواحش ..
تدبرها وأنخ المطايا تحت ظلالها قال الله العلي القدير ?والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ... ? الآية .. نعم هذه ميزتهم أنهم سريعو الفيئة والعودة من أخطائهم لا يتمادون فيها بل يتعلمون منها ويأخذون منها درسًا قد يكون قاسيًا أحيانا ..

إن الإنسان إذا تسلل إلى عقله وتبادر إلى مخيلته أنه إذا سار على طريق الله وسلك سبيل المؤمنين لن يخطئ أبدًا بل سيصبح معصومًا فإنما أصيبت مقاتله .. ألم يتربى في روضة الحبيب عليه الصلاة والسلام الذي وضع لنا قاعدة أصيلة في هذا الباب (( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )) ؟

يا ثمرة الفؤاد : إنك حينما تخطئ ثم تتراجع عن خطئك تتجاوز الخطأ الذي صدر منك إلى الصواب فتصبح بهذا الخطأ قد توصلت إلى صواب فلعل الله عز وجل أن يتجاوز عن خطئك ويقلبه حسنة .. ها هي ماثلة في كتاب الله ?فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ? .. إذا رسخ هذا المعنى عندك فلن تجد خواطر السوء التي داهمت كثيرا من شبابنا وأوحت إليهم بأن تمادوا في خطئكم لأنكم لن تعودوا كما كنتم أسوياء ولا يصح منكم أن تبقوا في محيطات الصلاح وأنتم بهذا الحال ..

فتنسلوا وابتعدوا فاستفرد بهم الشيطان وأعوانه وقضوا عليه وكما هو معلوم (( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )) ..
لن تجد أحدًا من الناس أيا كان مقامه يعدك بأنك لن تخطئ بعد اليوم ..
ولكن العاقل حقيقة هو الذي يعلمك طريقة التعلم من الأخطاء وتجاوزها إلى فعل الصواب واعتبار الخطأ وسيلة من وسائل الوصول إلى المراتب العالية ..

احذر أن تستلم لأخطائك مهما كان حجمها .. فلأن تلاقي الله مجاهدا لنفسك خير لك من أن تلقاه وقد استسلمت لشيطانك وقد وعد الله الذين يجاهدون أنفسهم ويصارعون شهواتهم بهدايته لهم ?والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ? وأما الآخرون فلا بواكي لهم ..
فالاستسلام سهل يقدر عليه كل أحد ولكن المجاهدة والمصابرة والمدافعة لن يستطيعها إلا ذلكم الأسد الهصور الذي نشأ مجاهدًا نفسه وتربى على مصارعة هواه وتشربت روحه معاني التحدي والصمود في مقابل أخطائه التي ليست إلا محطة يستطيع أن يتخطاها إلى خير منها وقبل هذا كله عون الله وتوفيقه للعبد ..

إننا جميعًا اليوم بحاجة ماسة إلى نوع من الفقه بإمكاننا أن نسميه (( فقه الخطأ )) قد تستغرب من هذا ولكنها حقيقة .. إن فقهنا للخطأ يمنع عنا كثيرا من التراجعات عن الخير وكذلك التمادي في الخطأ بل ستجد أناسًا تعلموا من أخطائهم الكثير ..
و بدأوا يصلون إلى مرحلة عالية من اليقين بأن الخطأ ملازم للإنسان ما جرت فيه الأنفاس وسارت في عروقه الدماء ولذلك شرعوا في تصحيح المسار وتعديل السلوك وتوجيه الأفعال وتهذيب النفس ..

ونخرج من لؤلؤتنا العاشرة بالتالي :

1) الخطأ حقيقة موجودة لا مناص عن الوقوع فيها (( كل ابن آدم خطاء )) ولكن (( خير الخطائين التوابون )) .
2) حتمية الخطأ ليست مبررا للتمادي فيه ولكنها دعوة إلى التعامل الصحيح مع الأخطاء .
3) استمرار المجاهدة للأخطاء لا يقف عند حد معين بل كلما تكرر الخطأ كلما طالبنا أنفسنا من الرجوع عنه وهكذا ?والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ? .
4) احذر ثم احذر ثم احذر أن تلاقي الله مستسلما لخطئك وشعارك في هذا (( لا مجال للاستسلام .. إلى دخول دار السلام )) .
5) علينا أن ندافع الأخطاء والسيئات بالصواب والعمل الصالح ألسنا نقرأ في كتاب ربنا تبارك وتعالى ?إن الحسنات يذهبن السيئات ?

أخي :: ? تلك عشرة كاملة ?


هذا والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه أسلم .. وصلى الله على محمد وسلم

فارس ربعه
26-06-2012, 03:57 AM
موضوع مميز يستحق القراءه
يعطيك العافيه

ابو الجوري
26-06-2012, 05:51 AM
أجدت في إختيار الموضوع وأبدعت في طرحه فشكراً جزيلاً

خادم ربعه
26-06-2012, 08:03 AM
جزاك الله خير

الشامخ
26-06-2012, 11:16 PM
مشكور على هذا الإبداع...