الشامخ
27-03-2012, 02:52 PM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، ولا إله إلا الله التواب الرحيم ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . . وبعد :
في قاعة الاختبار يسمح لكل خطأ بأن يمسح ، وعلى ذلك لا يمكن لعاقل أن يقدم ورقة اختباره بخطئها فيرسب ويعيد عاماً ، ولديه الوقت لمسح الخطأ وتصويبه ، للحصول على النتيجة الإيجابية الصحيحة السليمة والنجاح في اختبار الدنيا .
كذلك الإنسان في هذه الحياة الدنيا خلقه الله تعالى وكتب عليه الخطأ والزلل ، والذنب والمعصية ، وجعل له ماحية للخطايا ، ومزيلة للرزايا _ إنها التوبة _ نعم التوبة ، هي التي تمحو الذنوب ، وتُبدل بها السيئات إلى حسنات ، بفضل الله ومنته ، وكرمه ورحمته سبحانه ، فرحمته سبقت غضبه ، وهو الغفور الحليم ، التواب الرحيم .
فاحذر يا عبد الله أن تقابل ربك في قبرك ويوم القيامة بصحيفة سوداء قاتمة ، وبإمكانك إن تبدل السيئات بالحسنات ، وذلك بالتوبة النصوح ، فالله عز وجل يقيل العثرات ، ويعفو عن السيئات ، ويقبل التوبات .
الخطأ لا ينفك عن بني آدم حتى يتوفاه الله تعالى ، فالذنب والمعصية ملازمة له ، وكل حسب إيمانه وخوفه من ربه ، فمستقل ومستكثر من الذنوب نسأل الله أن يعافينا منها قليلها وكثيرها ، صغيرها وكبيرها إنه جواد كريم ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ" [ رواه الترمذي وأحمد وان ماجة وغيرهم ، وقال العلامة الألباني : حديث حسن ، انظر حديث رقم: 4515 في صحيح الجامع ] .
وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ " [ رواه مسلم ] .
فسارع أيها المذنب بالتوبة النصوح ، واصقل قلبك بعد الذنب بتوبة خالصة لله ، وانطرح بين يديه ، وانكسر واستغفر وتب إليه فهو يقبل التوبة ، ويعفو عن السيئة ، قال الله تعالى : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } [ النساء17 ] ، وقال سبحانه وتعالى : { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ المائدة39 ] .
وقال سبحانه وتعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [ الشورى25 ] .
فمن أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن أتبعه بتوبة فقد صقل قلبه ، وأصبح السواد بياضاً ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الْفِتَنَ فَقَالَ قَوْمٌ نَحْنُ سَمِعْنَاهُ . فَقَالَ لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَجَارِهِ قَالُوا أَجَلْ . قَالَ تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الْفِتَنَ الَّتِى تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ قَالَ حُذَيْفَةُ فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ فَقُلْتُ أَنَا . قَالَ أَنْتَ لِلَّهِ أَبُوكَ . قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
"تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا و لا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه، و قلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السماوات و الأرض. "
[ رواه مسلم ] .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال : " إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِى قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهَ وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِى ذَكَرَ اللَّهُ { كَلاَّ بَلْ رّانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [ رواه الترمذي وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .
من الناس من يرتكب ذنباً فيسارع إلى التوبة والاستغفار إلى العزيز الغفار ، فيتبع السيئة الحسنة تمحها ، ونعوذ بالله أن نكون من الذين يذنبون ثم يتبعون الذنب بذنوب أُخرى حتى تصبح قلوبهم سوداء قاتمة لا تعرف معروفاً ، ولا تنكر منكراً ، إلا ما أُشرب من هواها .
فاحرص أيها المسلم فأنت في دار المهلة ، احرص على التوبة في كل وقت وحين ، وبادر بالتوبة النصوح بعد ذنبك مباشرة فصاحب الشمال لا يكتبها فوراً بل يمهلك مهلة من الله لعلك تتوب وإلى الله تئوب ، وتأمل معي هذا الحديث :
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا، وَإِلا كُتِبَتْ وَاحِدَةً " [ رواه الطبراني وغيره ، وقال الألباني : حديث حسن ، انظر حديث رقم : 2097 في صحيح الجامع ] .
وإني أُذكر كل مسلم عاقل وقع في ذنب أو خطأ بأن للتوبة فوائد جمة ومنها :
1- أن التائب حبيب الله تعالى ، فالله تعالى يحب أهل التوبة ، فهذا فضل عظيم ، من الغفور الرحيم ، حيث يقول ربنا تبارك وتعالى : { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }[ البقرة222 ] .
يا له من حب لا حب بعده وهو أن يحبك الله ، فسارع إلى التوبة ، فبابها مفتوح ما لم تغرغر الروح أو تطلع الشمس من مغربها .
سارع بالتوبة لتحظى بالمحبة الربانية التي بسببها تسعد ولا تشقى ، وتفرح فلا تحزن ، وتطمأن فلا تخاف .
2- أن الله تعالى يفرح بتوبة التائب ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ ، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلاَةٍ " [ رواه البخاري ] .
تدبر أيها العبد الفقير الضعيف أن الله يفرح بتوبتك إذا أذنبت ثم تبت إليه سبحانه ، يا له من فرح لك ما بعده فرح ، فلا تجزع إذا أذنبت فباب التوبة أمامك مفتوح ، ما عليك إلا الندم على ذنبك ، والتوبة النصوح على جرمك ، والانكسار بين يدي خالقك وموجدك سبحانه ، ليفرح بك ويغفر لك .
3- التوبة تجب ما قبلها ، بل إنها تبدل السيئات إلى حسنات ، فياله من فضل عظيم من الغني الكريم ، الغفور الرحيم ، كما جاء في الحديث الصحيح ، قال تعالى : { إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الفرقان70 ] .
فيا عبد الله تب إلى الله فهو يغفر الذنوب جميعاً ، ولا تتمادى في غيك وطيشك ، وتتبع شهواتك ، واحذر شيطانك ، فهو يدعو إلى النار ، وتأمل قول الله تبارك وتعالى : { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } [ النساء27 ] ، وقال الحق تبارك وتعالى : { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة268 ] .
يا أيها المسلمون . . الله يدعوكم إلى الجنة والمغفرة بإذنه ، الله يدعوكم لرحمته وجنّته ، الله يحذركم من الولوغ في المعاصي واستمرائها ، فهي مهلكة إذ ربما مات العاصي وهو على معصيته وذنبه ، فيكون ذلك موجباً لدخول النار ، يقول ربكم سبحانه : { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ النساء18 ] .
اللهم إجعلنا من التوابين ومن المتطهرين ، اللهم تب علينا وإغفر لنا وأرحمنا بترك المعاصي ما أبقيتنا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك
....أعجبني فنقلته لكم....
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، ولا إله إلا الله التواب الرحيم ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . . وبعد :
في قاعة الاختبار يسمح لكل خطأ بأن يمسح ، وعلى ذلك لا يمكن لعاقل أن يقدم ورقة اختباره بخطئها فيرسب ويعيد عاماً ، ولديه الوقت لمسح الخطأ وتصويبه ، للحصول على النتيجة الإيجابية الصحيحة السليمة والنجاح في اختبار الدنيا .
كذلك الإنسان في هذه الحياة الدنيا خلقه الله تعالى وكتب عليه الخطأ والزلل ، والذنب والمعصية ، وجعل له ماحية للخطايا ، ومزيلة للرزايا _ إنها التوبة _ نعم التوبة ، هي التي تمحو الذنوب ، وتُبدل بها السيئات إلى حسنات ، بفضل الله ومنته ، وكرمه ورحمته سبحانه ، فرحمته سبقت غضبه ، وهو الغفور الحليم ، التواب الرحيم .
فاحذر يا عبد الله أن تقابل ربك في قبرك ويوم القيامة بصحيفة سوداء قاتمة ، وبإمكانك إن تبدل السيئات بالحسنات ، وذلك بالتوبة النصوح ، فالله عز وجل يقيل العثرات ، ويعفو عن السيئات ، ويقبل التوبات .
الخطأ لا ينفك عن بني آدم حتى يتوفاه الله تعالى ، فالذنب والمعصية ملازمة له ، وكل حسب إيمانه وخوفه من ربه ، فمستقل ومستكثر من الذنوب نسأل الله أن يعافينا منها قليلها وكثيرها ، صغيرها وكبيرها إنه جواد كريم ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ" [ رواه الترمذي وأحمد وان ماجة وغيرهم ، وقال العلامة الألباني : حديث حسن ، انظر حديث رقم: 4515 في صحيح الجامع ] .
وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ " [ رواه مسلم ] .
فسارع أيها المذنب بالتوبة النصوح ، واصقل قلبك بعد الذنب بتوبة خالصة لله ، وانطرح بين يديه ، وانكسر واستغفر وتب إليه فهو يقبل التوبة ، ويعفو عن السيئة ، قال الله تعالى : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } [ النساء17 ] ، وقال سبحانه وتعالى : { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ المائدة39 ] .
وقال سبحانه وتعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } [ الشورى25 ] .
فمن أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن أتبعه بتوبة فقد صقل قلبه ، وأصبح السواد بياضاً ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الْفِتَنَ فَقَالَ قَوْمٌ نَحْنُ سَمِعْنَاهُ . فَقَالَ لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَجَارِهِ قَالُوا أَجَلْ . قَالَ تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ الْفِتَنَ الَّتِى تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ قَالَ حُذَيْفَةُ فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ فَقُلْتُ أَنَا . قَالَ أَنْتَ لِلَّهِ أَبُوكَ . قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
"تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا و لا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه، و قلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السماوات و الأرض. "
[ رواه مسلم ] .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال : " إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِى قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهَ وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِى ذَكَرَ اللَّهُ { كَلاَّ بَلْ رّانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [ رواه الترمذي وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .
من الناس من يرتكب ذنباً فيسارع إلى التوبة والاستغفار إلى العزيز الغفار ، فيتبع السيئة الحسنة تمحها ، ونعوذ بالله أن نكون من الذين يذنبون ثم يتبعون الذنب بذنوب أُخرى حتى تصبح قلوبهم سوداء قاتمة لا تعرف معروفاً ، ولا تنكر منكراً ، إلا ما أُشرب من هواها .
فاحرص أيها المسلم فأنت في دار المهلة ، احرص على التوبة في كل وقت وحين ، وبادر بالتوبة النصوح بعد ذنبك مباشرة فصاحب الشمال لا يكتبها فوراً بل يمهلك مهلة من الله لعلك تتوب وإلى الله تئوب ، وتأمل معي هذا الحديث :
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِ الْمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا، وَإِلا كُتِبَتْ وَاحِدَةً " [ رواه الطبراني وغيره ، وقال الألباني : حديث حسن ، انظر حديث رقم : 2097 في صحيح الجامع ] .
وإني أُذكر كل مسلم عاقل وقع في ذنب أو خطأ بأن للتوبة فوائد جمة ومنها :
1- أن التائب حبيب الله تعالى ، فالله تعالى يحب أهل التوبة ، فهذا فضل عظيم ، من الغفور الرحيم ، حيث يقول ربنا تبارك وتعالى : { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }[ البقرة222 ] .
يا له من حب لا حب بعده وهو أن يحبك الله ، فسارع إلى التوبة ، فبابها مفتوح ما لم تغرغر الروح أو تطلع الشمس من مغربها .
سارع بالتوبة لتحظى بالمحبة الربانية التي بسببها تسعد ولا تشقى ، وتفرح فلا تحزن ، وتطمأن فلا تخاف .
2- أن الله تعالى يفرح بتوبة التائب ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ ، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلاَةٍ " [ رواه البخاري ] .
تدبر أيها العبد الفقير الضعيف أن الله يفرح بتوبتك إذا أذنبت ثم تبت إليه سبحانه ، يا له من فرح لك ما بعده فرح ، فلا تجزع إذا أذنبت فباب التوبة أمامك مفتوح ، ما عليك إلا الندم على ذنبك ، والتوبة النصوح على جرمك ، والانكسار بين يدي خالقك وموجدك سبحانه ، ليفرح بك ويغفر لك .
3- التوبة تجب ما قبلها ، بل إنها تبدل السيئات إلى حسنات ، فياله من فضل عظيم من الغني الكريم ، الغفور الرحيم ، كما جاء في الحديث الصحيح ، قال تعالى : { إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الفرقان70 ] .
فيا عبد الله تب إلى الله فهو يغفر الذنوب جميعاً ، ولا تتمادى في غيك وطيشك ، وتتبع شهواتك ، واحذر شيطانك ، فهو يدعو إلى النار ، وتأمل قول الله تبارك وتعالى : { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً } [ النساء27 ] ، وقال الحق تبارك وتعالى : { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ البقرة268 ] .
يا أيها المسلمون . . الله يدعوكم إلى الجنة والمغفرة بإذنه ، الله يدعوكم لرحمته وجنّته ، الله يحذركم من الولوغ في المعاصي واستمرائها ، فهي مهلكة إذ ربما مات العاصي وهو على معصيته وذنبه ، فيكون ذلك موجباً لدخول النار ، يقول ربكم سبحانه : { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ النساء18 ] .
اللهم إجعلنا من التوابين ومن المتطهرين ، اللهم تب علينا وإغفر لنا وأرحمنا بترك المعاصي ما أبقيتنا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك
....أعجبني فنقلته لكم....