السفير
29-10-2011, 09:35 PM
الأضـحـيـــــة
تعريفُ الأضحيّة
الأضحيّة:مَا يُذَكَّى مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ،وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى،وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم،وإجماع المسلمين.
حكمُ الأضحيّة
هي سُنَّةٌ مُؤَكدةٌ في كُلِ سَنَةٍ،يُثابُ فاعلُها ولا يُعاقبُ تاركُها؛وفي قولٍ آخر واجبة لمن له سعة. ينبغي للقادر المحافظة عليها سنويًا(إبراءً للذمة،وخروجًا من الخلاف)؛ولا صحةَ لما يظنّه بعض العامة من أن التضحية في العمر مرة واحدة.
ـ قال الشافعية وغيرهم(رحمهم الله):المستطيع للأضحية شرعًا هو من يملك ثمنها زائدًا عن حاجته وحاجة من يعوله يوم العيد وأيام التشريق،وليس من يملك نصاب الزكاة.واشترط الحنفية(رحمهم الله)أن يكون مالكًا لنصاب الزكاة فاضلاً عن حوائجه الأصلية.
شروط صحة الأضحية
1ـ أن تكون من الأنعام:
ـ الإبل والبقر والجاموس والضأن والماعز؛ذكرًا أو أنثى؛وسواء كان المضحي رجلاً أو امرأة؛بخلاف ما يعتقده البعض من أن الرجل يجب أن يضحي بالذكور من النعم والمرأة بالإناث.
2ـ أن تبلغ سنّ التّضحية:
ـ فالإبل:ما أكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة.
ـ والبقر والجاموس:ما تمت له سنتان ودخل في الثالثة.
ـ والضأن(الغنم):ما تمت له سنة ودخل في الثانية ويجوز ما له ستة أو ثمانية أشهر بشرط أنه لو خلط مع ما له سنة ودخل في الثانية لا يمكن تمييزه من بُعد لكبر حجمه وكثرة لحمه.
ـ والماعز:ما له سنتان ودخل في الثالثة،وفي قول ما له سنة ودخل في الثانية بشهر أو أكثر.
3ـ سلامتها من العيوب الفاحشة المانعة من الإجزاء: وَهِيَ الْعُيُوبُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُنْقِصَ الشَّحْمَ أَوِ اللَّحْمَ إِلاَّ مَا اسْتُثْنِيَ ،لقوله تعالى:{وَلا تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ}(البقرة: 267).فلا تجزي التي بها عيوب كالعمياء،والعوراء،والعرجاء،والمريضة،والعجفاء(أي الهزيلة)،ولا يضر ذهاب بعض الأسنان ومشقوق الأذن. وَيُفَضَّلُ الذكر،وأفضلها الأبيض والأسمن-الأكثر لحمًا- والأكمل خلقة والأحسن منظرًا .
4ـ أن تكون ملكًا للمضحي:
فلا تصح المغصوبة أو المسروقة أو المأخوذة بدعوى باطلة ونحوه؛لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته.وأن لا يتعلق بها حق للغير فلا تصح التضحية بالمرهون.
ـ تجزي التضحية في الضأن والماعز عن شخص واحد؛وتجزي الإبل والبقر والجاموس عن سبعة أشخاص،سواء كانت الأضحية منذورة أو تطوعًا،وسواء كانوا كلهم أهل بيت واحد أو متفرقين،أو قصد بعضهم التضحية،وبعضهم الهدى أو العقيقة أو يريد اللحم؛لاًّنَّ كُلَّ سَبْع ٍ مِنْهَا قَائِمٌ مَقَامَ شَاةٍ؛والْفِعْل يَصِيرُ قُرْبَةً مِنْ كُل وَاحِدٍ بِنِيَّتِهِ لاَ بِنِيَّةِ شَرِيكِهِ.
ـ ولا تجزىء الواحدة من الغنم عن شخصين فأكثر يشتريانها فيضحيان بها؛لعدم ورود ذلك في الكتاب والسنة،كما لا يجزىء أن يشترك ثمانية فأكثر في بعير أو بقرة؛لأن العبادات توقيفية لا يجوز فيها تعدي المحدود كمية وكيفية.
ـ إذا عيَّن الأضحية الحامل فولدت قبل الذبح،فإنه يذبح معها ابنها لأن حكم التقرب بإراقة الدم ثبت في عينها فيسرى إليه،لأنه متولد من عينها؛وإن أُُُُُخرِجَ من بطنها حيًا فَيُفعَلُ به ما فُعِلَ بأمِّه؛وإذا خرج ميتًا فذكاته بذكاة أمِّه،أي يحل أكله.
ـ وَالتِي تَأْكُل الْعَذِرَةَ(النجاسات) وَلاَ تَأْكُل غَيْرَهَا يَجِبُ أَنْ تُسْتَبْرَأ بِأَنْ تُحْبَسَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وتُعلَفَ مِنَ العَلَفِ الطَّاهِرِ إِنْ كَانَتْ مِنَ الإِْبِل،أَوْ عِشْرِينَ يَوْمًا إِنْ كَانَتْ مِنْ الْبَقَرِ،أَوْ عَشْرَةً إِنْ كَانَتْ مِنَ الْغَنَمِ .
ـ واختُلِفَ في ذبح الشاة الواحدة بِنِيَّةِ الأضحية والعقيقة فجوزها الحنفية ومنعها المالكية والشافعية وللحنابلة قولان.
ما يُستحبُّ قبل التّضحية
ـ من السنة لمن أراد أن يضحي أن لا يقص شعره(الرأس واللحية والشارب والأبط والعانة) ولا يأخذ من... أظفاره ولا بشرته من أول ذي الحجة إلى أن يضحي؛ وفي قول آخر إن ذلك واجب.
ـ وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال إِذَا دَخَل الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ بَشَرِهِ شَيْئًا) أخرجه احمد ومسلم،وفي لفظ فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئًا حتى يضحي).والحكمة منها أن يبقى كامل الأجزاء،رجاء أن يعتق من النّار بالتّضحية.فان خالف هذا فقد خالف السنة،وأضحيته صحيحة؛وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا شيء عليه فيما أخذه قبل النية. ـ أما مَنْ يُضحَّى عنه فلا يشرع ذلك في حقه؛لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال وأراد أحدكم أن يضحي)ولم يقل أو يُضَحَّى عنه؛ولأنه صلى الله عليه وسلّم كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك.ولا يسمى ذلك إحرامًا،فلا يحرم عليه ما يحرم على الحاج،إنّما المحرم هو الذي يحرم بالحج أو العمرة أو بهما.
ـ ويسن أن يربط الأضحيّة قبل يوم النّحر بأيّامٍ،لما فيه من الاستعداد للقربة وإظهار الرّغبة فيها فيكون له فيه أجرٌ وثوابٌ، لأنّ ذلك يشعر بتعظيمها،قال الله تعالى وَمَنْ يُعَظّم شَعَائِرَ اللّهِ فإنَّها مِنْ تَقْوَى القُلُوب)(الحج:32).
ـ ويسن استسمانها واستحسانها لأن ذلك أعظم لأجرها وأكثر لنفعها.
ـ ويسن لإمام المسلمين أن يضحي من بيت المال عن المسلمين.
ـ ويجوز أن يقترض المسلم ليضحي إذا كان عنده القدرة على الوفاء،وإلا فلا ينبغي له ذلك.
وقت التّضحية
يدخل وقت التّضحية بعد صلاة العيد وخطبته من أول أيام النحر وهو العاشر من ذي الحجة،أو يقدر مضي وقتها إذا لم يُصَلِّ هو لسفر أو لا يوجد مُصَلَّى للعيد في بلده، ويستمر إلى غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق(رابع يوم العيد) وهو الثالث عشر من ذي الحجة،لقوله صلى الله عليه وسلم كُل أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ) أخرجه ابن حبان وأحمد؛وَلاَ يَلْزَمُ انْتِظَارُ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلاَةِ فِي جَمِيعِ الأَْمَاكِنِ إِنْ تَعَدَّدَتْ،بَل يَكْفِي الْفَرَاغُ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا؛وإذا أراد أن يذبح في اليوم الثاني فلا يلزم أن يراعي مضي زمن قدر صلاة الإمام.ومن ذبح قبل فراغ صلاة العيد أو بعد غروب شمس آخر يوم لم تصح أضحيته،لقوله صلى الله عليه وسلّم من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء)رواه البخاري.ولو حصل له عذر بالتأخير عن أيام التشريق كأن تهرب الأضحية فلم يجدها إلا بعد فوات الوقت،أو يوكل من يذبحها فينسى الوكيل،فَإِنْ ذَبَحَ وَلَوْ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ لَمْ تَكُنْ ذَبِيحَتُهُ أُضْحِيَّةً،وَيُثَابُ عَلَى مَا يُعْطِي الْفُقَرَاءَ مِنْهَا ثَوَابَ الصَّدَقَةِ. فإن كانت الأضحية منذورةً وفات وقت التّضحية ولم يضحِّ لزمه أن يضحّي قضاءً،لأنّها قد وجبت عليه فلم تسقط بفوات الوقت.
ـ ويُكره الذبح ليلاً للنهي عنه خشية أن يخطئ الذبح أو يصيب نفسه أو يتأخر بتفريق اللحم طريًا،ولأن المساكين لا يحضرونه في الليل حضورهم إياه في النهار؛واستثنى الشّافعيّة من كراهية التّضحية ليلاً ما لو كان ذلك لحاجةٍ كاشتغاله نهارًا بما يمنعه من التّضحية أو مصلحةٍ كتيسّر الفقراء ليلاً أو سهولة حضورهم.وفي النهار أولى،ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل،وكل يوم أفضل مما يليه؛لما فيه من المسارعة إلى الخير،وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَْرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}سورة آل عمران / 133.
ذبحُ الأضحيّة
يسن أن يقوم بالذبح صاحب الأضحية إن أحسن الذبح لأَِنَّهُ قُرْبَةٌ،وَمُبَاشَرَةُ الْقُرْبَةِ أَفْضَل مِنْ تَفْوِيضِ إِنْسَانٍ آخَرَ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ الذَّبْحَ فَالأَْوْلَى أن يستنيبَ مُسْلِمًا يُحْسِنُهُ،ويُكره استنابة صبي وأعمى،وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى صِحَّةِ التَّضْحِيَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ إِذَا كَانَ النَّائِبُ كِتَابِيًّا،لأَِنَّهُ مِنْ أَهْل الذَّكَاةِ. والذي يعجز عن الذبح لعذر أو غيره فليشهد الذبح،لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَا فَاطِمَةُ قُومِي إِلَى أُضْحِيَّتِكِ فَاشْهَدِيهَا) أخرجه الحاكم. وأن يكون ذلك في بيته وبمشهد من أهله ليفرحوا بالذبح ويتمتعوا باللحم.
ما يقول عند الذبح
يُوَجِّه الذبيحة إلى القبلة ويقول عند الذبح:بسم الله،والله أكبر.اللهم هذا منك واليك،فتقبلها مني،أو تقبلها مِنْ(ويسمي اسمه وأسماء الذين يشتركون معه في الأضحية)،كما تقبلت من إبراهيم خليلك،ومحمد عبدك ورسولك،صلى الله عليهما وسلم؛وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض،حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين،إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين،لا شريك له،وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.ويكبر المضحي تكبيرات العيد الله أكبر،الله أكبر،الله أكبر،لا اله إلا الله،والله أكبر،الله أكبر،ولله الحمد)،ويستمر بذلك حتى تنتهي حركة الذبيحة .
توزيع اللحم
يقسم اللحم إلى ثلاثة أقسام،ولا يشترط أن تكون بشكل متساوٍ،فيتصدق بثلث للفقراء ويهدي ثلثًا للأغنياء.. ويأكل أو يدَّخر لنفسه الثلث الآخر،وإن أكل أكثر جاز.وقال الحنفيّة:لو تصدّق بالكلّ جاز،ولو حبس الكلّ لنفسه جاز،لأنّ القربة في إراقة الدّم.وإطعامها والتّصدّق بها كُلِّهَا أفضل من ادّخارها إِلاَّ لُقَمًا يَسِيرَةً يَأْكُلُهَا نَدْبًا لِلتَّبَرُّكِ وَالأَْوْلَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللُّقَمُ مِنَ الْكَبِدِ.قال الله تعالى:{فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ}سورة الحج 28وقال:{فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْنَـاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورةالحج36.فالقانع:السائل،والمعتَرّ:المتعرض للعطية بدون سؤال،وقيل القَانِعُ:الجَالِسُ فِي بَيْتِهِ،وَالمُعْتَرُّ:الَّذِي يَسْأَلُكَ،وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال كلوا وأطعموا وادخروا)رواه البخاري والإطعام يشمل الهدية للأغنياء والصدقة على الفقراء،وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا)رواه مسلم.
ـ ومن نذر الأضحية فلا يحل له الأكل منها؛سواءٌ أكان النَّاذِرُ غنيًّا أم فقيرًا،لأنه أخرجها لله فلا يجوز الرجوع فيه؛فلا يأكل منها لا هو ولا من يعولهم ولا الأغنياء وإنما للفقراء فقط ،لأن محلّ النذر هو التصدق في سبيل الله،فمصرفها هم الفقراء لا غير؛فإن أكل أو أهدى ضمن مثل ما أكل أو غُرِّمَ القيمة للفقراء.
ـ وَجَوَّزَ المالكية وبعض الحنابلة الأكل من النذر المطلق الذي لم يُعَيّن جهة صرفها ولم يُسَمِّهِ للمساكين لا.بلفظ ولا بنيَّة.
الأجرة عن قيمة الذبح
لا يجوز إعطاء القصاب من اللحم أو الجلد وجعله أجرة عن قيمة الذبح،فهو مكروه تحريمًا،بل يعطى ثمن الذبح،فإن دفع له أجرته ثم أعطاه اللحم لِفَقْرِهِ أَوْ عَلَى سَبِيل الْهَدِيَّةِ فَلاَ بَأْسَ.أما الجلد فلا يجوز بيعه لقوله صلى الله عليه وسلم مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلاَ أُضْحِيَّةَ لَهُ)رواه الحاكم والبيهقي؛وقوله لعلي رضي الله عنه (تَصَدَّقْ بِجِلالِها وَخُطُمِها وَلا تعطِ الجَزَّارَ مِنهَا شَيئًا)رواه مسلم وغيره؛لأن ذلك بمعنى البيع،فيتصدق به للفقراء أو ينتفع به صاحب الأضحية وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْهَا.وعند أبي حنفية رحمه الله أنه يجوز بيع الجلد ويتصدق بثمنه.
ومن أهدي إليه شيء منها أو تصدق به عليه فله التصرف فيه بما شاء من بيع وغيره،غير أنه لا يبيعه على مَنْ أهداه أو تصدق به.
التضحية سنّة كفايةٍ في حقّ أهل البيت الواحد
إنَّ الأضحية سنة على الكفاية،فكما أن الفرض ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية فهي كالابتداء بالسلام وتشميت العاطس.فإذا فعلها أحد من أهل البيت تأدى عن الكل الشعار وحق السُنّة،من حيث كونها شعيرة من شعائر الإسلام؛فتسد عن أهل بيته ولو كثر عددهم،بأن طبقت هذه السُنُّّة في هذا البيت،لا حصول الثّواب لكلٍّ منهم،بل فقط لصاحب الأضحية،إلاّ إذا قصد المضحّي تشريكهم في الثّواب؛والأموات تبعًا للأحياء من أهل بيته؛حيث يجزئ أن يضحّي الإنسان بالأضحيّة الواحدة الّتي يملكها وحده ناويًا إشراك غيره معه في الثّواب.
ـ فمن حيث كونها فعل خير يصح أن يجعل ثواب عمله لغيره من الأحياء والأموات،قلّوا أو كثروا،أهل بيته كانوا أو غيرهم؛أما من حيث كونها سنة يخاطب بها القادر عليها فلا تكفي الشاة إلاّ عن واحد .
ـ عن أبي رافع رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي بكبشين أحدهما عنه وعن .آله،والآخر عن أمته جميعًا) رواه أحمد.وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال
كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته،فيأكلون ويطعمون) رواه ابن ماجه والترمذي وصححه.
التضحية عن الميت
ــ يجب التضحية عن الميت،إذا أوصى بها،وأراد أحد الورثة أو غيره أن يُضَحِّي عنه من ماله أو(مال المتطوع).
ــ أما إذا لم يوص بها:فقالوا:
ـ تصح التضحية عن الميت،كالصدقة عنه وكالحج.
ـ وقيل:تعتبر كالقضاء عنه.
ـ وفي قول آخر تكره،وقيل لا تصح:وفسَّرَ هؤلاء قولهم بأنّ الأضحية:هي ما يذبح تّقرّبًا للّه تعالى،وشّكرًا له على نعمة الحياة لا الممات،فشرعت في حق الحي لا الميت،كصدقة الفطر على الأحياء عند عيد الفطر،فلا أضحية على الميت؛فإذا فُعِلَتْ فهي صدقة وليست أضحية؛فلا يصل إليه أجر وثواب الأضحية التي بأول قطرة من دمها يُغفَر له ما سلف من ذنوبه،بل أجر وثواب صدقة- وهي تصل إليه وينتفع بها وفيها أجر كبير أيضًا-. ثم قالوا:لكنَّه إذا اشترى الأضحية ومات قبل أن يُضَحِّي أو ترك مالاً يريد أن يُضَحِّي به،فهنا يُضَحَّى بها بعده،وتقع له أضحية.
ـ فبذلك تصح التضحية عن الميت وإن لم يوصِ بها،لأنها ضرب من الصدقة؛والصدقة تصح عن الميت وتنفعه وتصل إليه بالإجماع؛وقد ضَحَّى النبي صلى الله عليه وسلم عن أمته،فدخل في أضحيته الأحياء منهم والأموات،فلو لم تنفعهم لكان ذلك عبثًا.
ـ وإنَّ ذَبْحَهَا أفضل من الصدقة بثمنها،لأنَّه لا عملَ أحَبّ إلى الله وأفضل من إراقة الدم في هذه الأيام،وَيَدُل لأَِفْضَلِيَّةِ التَّضْحِيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى وَالْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ،وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَل لَعَدَلُوا إِلَيْهَا،وَمَا رَوَتْهُ السيدة عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالhttp://www.islamnor.com/vb/images/smilies/frown.gifمَا عَمِل ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلاً أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِرَاقَةِ دَمٍ وَأَنَّهُ لَيُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَأَشْعَارِهَا،وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْل أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَْرْضِ،فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا)أخرجه ابن ماجه. وَلأَِنَّ إِيثَارَ الصَّدَقَةِ عَلَى الأُْضْحِيَّةِ يُفْضِي إِلَى تَرْكِ سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . .
والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب
تعريفُ الأضحيّة
الأضحيّة:مَا يُذَكَّى مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ،وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى،وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم،وإجماع المسلمين.
حكمُ الأضحيّة
هي سُنَّةٌ مُؤَكدةٌ في كُلِ سَنَةٍ،يُثابُ فاعلُها ولا يُعاقبُ تاركُها؛وفي قولٍ آخر واجبة لمن له سعة. ينبغي للقادر المحافظة عليها سنويًا(إبراءً للذمة،وخروجًا من الخلاف)؛ولا صحةَ لما يظنّه بعض العامة من أن التضحية في العمر مرة واحدة.
ـ قال الشافعية وغيرهم(رحمهم الله):المستطيع للأضحية شرعًا هو من يملك ثمنها زائدًا عن حاجته وحاجة من يعوله يوم العيد وأيام التشريق،وليس من يملك نصاب الزكاة.واشترط الحنفية(رحمهم الله)أن يكون مالكًا لنصاب الزكاة فاضلاً عن حوائجه الأصلية.
شروط صحة الأضحية
1ـ أن تكون من الأنعام:
ـ الإبل والبقر والجاموس والضأن والماعز؛ذكرًا أو أنثى؛وسواء كان المضحي رجلاً أو امرأة؛بخلاف ما يعتقده البعض من أن الرجل يجب أن يضحي بالذكور من النعم والمرأة بالإناث.
2ـ أن تبلغ سنّ التّضحية:
ـ فالإبل:ما أكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة.
ـ والبقر والجاموس:ما تمت له سنتان ودخل في الثالثة.
ـ والضأن(الغنم):ما تمت له سنة ودخل في الثانية ويجوز ما له ستة أو ثمانية أشهر بشرط أنه لو خلط مع ما له سنة ودخل في الثانية لا يمكن تمييزه من بُعد لكبر حجمه وكثرة لحمه.
ـ والماعز:ما له سنتان ودخل في الثالثة،وفي قول ما له سنة ودخل في الثانية بشهر أو أكثر.
3ـ سلامتها من العيوب الفاحشة المانعة من الإجزاء: وَهِيَ الْعُيُوبُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُنْقِصَ الشَّحْمَ أَوِ اللَّحْمَ إِلاَّ مَا اسْتُثْنِيَ ،لقوله تعالى:{وَلا تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ}(البقرة: 267).فلا تجزي التي بها عيوب كالعمياء،والعوراء،والعرجاء،والمريضة،والعجفاء(أي الهزيلة)،ولا يضر ذهاب بعض الأسنان ومشقوق الأذن. وَيُفَضَّلُ الذكر،وأفضلها الأبيض والأسمن-الأكثر لحمًا- والأكمل خلقة والأحسن منظرًا .
4ـ أن تكون ملكًا للمضحي:
فلا تصح المغصوبة أو المسروقة أو المأخوذة بدعوى باطلة ونحوه؛لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته.وأن لا يتعلق بها حق للغير فلا تصح التضحية بالمرهون.
ـ تجزي التضحية في الضأن والماعز عن شخص واحد؛وتجزي الإبل والبقر والجاموس عن سبعة أشخاص،سواء كانت الأضحية منذورة أو تطوعًا،وسواء كانوا كلهم أهل بيت واحد أو متفرقين،أو قصد بعضهم التضحية،وبعضهم الهدى أو العقيقة أو يريد اللحم؛لاًّنَّ كُلَّ سَبْع ٍ مِنْهَا قَائِمٌ مَقَامَ شَاةٍ؛والْفِعْل يَصِيرُ قُرْبَةً مِنْ كُل وَاحِدٍ بِنِيَّتِهِ لاَ بِنِيَّةِ شَرِيكِهِ.
ـ ولا تجزىء الواحدة من الغنم عن شخصين فأكثر يشتريانها فيضحيان بها؛لعدم ورود ذلك في الكتاب والسنة،كما لا يجزىء أن يشترك ثمانية فأكثر في بعير أو بقرة؛لأن العبادات توقيفية لا يجوز فيها تعدي المحدود كمية وكيفية.
ـ إذا عيَّن الأضحية الحامل فولدت قبل الذبح،فإنه يذبح معها ابنها لأن حكم التقرب بإراقة الدم ثبت في عينها فيسرى إليه،لأنه متولد من عينها؛وإن أُُُُُخرِجَ من بطنها حيًا فَيُفعَلُ به ما فُعِلَ بأمِّه؛وإذا خرج ميتًا فذكاته بذكاة أمِّه،أي يحل أكله.
ـ وَالتِي تَأْكُل الْعَذِرَةَ(النجاسات) وَلاَ تَأْكُل غَيْرَهَا يَجِبُ أَنْ تُسْتَبْرَأ بِأَنْ تُحْبَسَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وتُعلَفَ مِنَ العَلَفِ الطَّاهِرِ إِنْ كَانَتْ مِنَ الإِْبِل،أَوْ عِشْرِينَ يَوْمًا إِنْ كَانَتْ مِنْ الْبَقَرِ،أَوْ عَشْرَةً إِنْ كَانَتْ مِنَ الْغَنَمِ .
ـ واختُلِفَ في ذبح الشاة الواحدة بِنِيَّةِ الأضحية والعقيقة فجوزها الحنفية ومنعها المالكية والشافعية وللحنابلة قولان.
ما يُستحبُّ قبل التّضحية
ـ من السنة لمن أراد أن يضحي أن لا يقص شعره(الرأس واللحية والشارب والأبط والعانة) ولا يأخذ من... أظفاره ولا بشرته من أول ذي الحجة إلى أن يضحي؛ وفي قول آخر إن ذلك واجب.
ـ وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال إِذَا دَخَل الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ مِنْ بَشَرِهِ شَيْئًا) أخرجه احمد ومسلم،وفي لفظ فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئًا حتى يضحي).والحكمة منها أن يبقى كامل الأجزاء،رجاء أن يعتق من النّار بالتّضحية.فان خالف هذا فقد خالف السنة،وأضحيته صحيحة؛وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا شيء عليه فيما أخذه قبل النية. ـ أما مَنْ يُضحَّى عنه فلا يشرع ذلك في حقه؛لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال وأراد أحدكم أن يضحي)ولم يقل أو يُضَحَّى عنه؛ولأنه صلى الله عليه وسلّم كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك.ولا يسمى ذلك إحرامًا،فلا يحرم عليه ما يحرم على الحاج،إنّما المحرم هو الذي يحرم بالحج أو العمرة أو بهما.
ـ ويسن أن يربط الأضحيّة قبل يوم النّحر بأيّامٍ،لما فيه من الاستعداد للقربة وإظهار الرّغبة فيها فيكون له فيه أجرٌ وثوابٌ، لأنّ ذلك يشعر بتعظيمها،قال الله تعالى وَمَنْ يُعَظّم شَعَائِرَ اللّهِ فإنَّها مِنْ تَقْوَى القُلُوب)(الحج:32).
ـ ويسن استسمانها واستحسانها لأن ذلك أعظم لأجرها وأكثر لنفعها.
ـ ويسن لإمام المسلمين أن يضحي من بيت المال عن المسلمين.
ـ ويجوز أن يقترض المسلم ليضحي إذا كان عنده القدرة على الوفاء،وإلا فلا ينبغي له ذلك.
وقت التّضحية
يدخل وقت التّضحية بعد صلاة العيد وخطبته من أول أيام النحر وهو العاشر من ذي الحجة،أو يقدر مضي وقتها إذا لم يُصَلِّ هو لسفر أو لا يوجد مُصَلَّى للعيد في بلده، ويستمر إلى غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق(رابع يوم العيد) وهو الثالث عشر من ذي الحجة،لقوله صلى الله عليه وسلم كُل أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ) أخرجه ابن حبان وأحمد؛وَلاَ يَلْزَمُ انْتِظَارُ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلاَةِ فِي جَمِيعِ الأَْمَاكِنِ إِنْ تَعَدَّدَتْ،بَل يَكْفِي الْفَرَاغُ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا؛وإذا أراد أن يذبح في اليوم الثاني فلا يلزم أن يراعي مضي زمن قدر صلاة الإمام.ومن ذبح قبل فراغ صلاة العيد أو بعد غروب شمس آخر يوم لم تصح أضحيته،لقوله صلى الله عليه وسلّم من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء)رواه البخاري.ولو حصل له عذر بالتأخير عن أيام التشريق كأن تهرب الأضحية فلم يجدها إلا بعد فوات الوقت،أو يوكل من يذبحها فينسى الوكيل،فَإِنْ ذَبَحَ وَلَوْ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ لَمْ تَكُنْ ذَبِيحَتُهُ أُضْحِيَّةً،وَيُثَابُ عَلَى مَا يُعْطِي الْفُقَرَاءَ مِنْهَا ثَوَابَ الصَّدَقَةِ. فإن كانت الأضحية منذورةً وفات وقت التّضحية ولم يضحِّ لزمه أن يضحّي قضاءً،لأنّها قد وجبت عليه فلم تسقط بفوات الوقت.
ـ ويُكره الذبح ليلاً للنهي عنه خشية أن يخطئ الذبح أو يصيب نفسه أو يتأخر بتفريق اللحم طريًا،ولأن المساكين لا يحضرونه في الليل حضورهم إياه في النهار؛واستثنى الشّافعيّة من كراهية التّضحية ليلاً ما لو كان ذلك لحاجةٍ كاشتغاله نهارًا بما يمنعه من التّضحية أو مصلحةٍ كتيسّر الفقراء ليلاً أو سهولة حضورهم.وفي النهار أولى،ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل،وكل يوم أفضل مما يليه؛لما فيه من المسارعة إلى الخير،وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَْرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}سورة آل عمران / 133.
ذبحُ الأضحيّة
يسن أن يقوم بالذبح صاحب الأضحية إن أحسن الذبح لأَِنَّهُ قُرْبَةٌ،وَمُبَاشَرَةُ الْقُرْبَةِ أَفْضَل مِنْ تَفْوِيضِ إِنْسَانٍ آخَرَ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ الذَّبْحَ فَالأَْوْلَى أن يستنيبَ مُسْلِمًا يُحْسِنُهُ،ويُكره استنابة صبي وأعمى،وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى صِحَّةِ التَّضْحِيَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ إِذَا كَانَ النَّائِبُ كِتَابِيًّا،لأَِنَّهُ مِنْ أَهْل الذَّكَاةِ. والذي يعجز عن الذبح لعذر أو غيره فليشهد الذبح،لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَا فَاطِمَةُ قُومِي إِلَى أُضْحِيَّتِكِ فَاشْهَدِيهَا) أخرجه الحاكم. وأن يكون ذلك في بيته وبمشهد من أهله ليفرحوا بالذبح ويتمتعوا باللحم.
ما يقول عند الذبح
يُوَجِّه الذبيحة إلى القبلة ويقول عند الذبح:بسم الله،والله أكبر.اللهم هذا منك واليك،فتقبلها مني،أو تقبلها مِنْ(ويسمي اسمه وأسماء الذين يشتركون معه في الأضحية)،كما تقبلت من إبراهيم خليلك،ومحمد عبدك ورسولك،صلى الله عليهما وسلم؛وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض،حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين،إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين،لا شريك له،وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.ويكبر المضحي تكبيرات العيد الله أكبر،الله أكبر،الله أكبر،لا اله إلا الله،والله أكبر،الله أكبر،ولله الحمد)،ويستمر بذلك حتى تنتهي حركة الذبيحة .
توزيع اللحم
يقسم اللحم إلى ثلاثة أقسام،ولا يشترط أن تكون بشكل متساوٍ،فيتصدق بثلث للفقراء ويهدي ثلثًا للأغنياء.. ويأكل أو يدَّخر لنفسه الثلث الآخر،وإن أكل أكثر جاز.وقال الحنفيّة:لو تصدّق بالكلّ جاز،ولو حبس الكلّ لنفسه جاز،لأنّ القربة في إراقة الدّم.وإطعامها والتّصدّق بها كُلِّهَا أفضل من ادّخارها إِلاَّ لُقَمًا يَسِيرَةً يَأْكُلُهَا نَدْبًا لِلتَّبَرُّكِ وَالأَْوْلَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللُّقَمُ مِنَ الْكَبِدِ.قال الله تعالى:{فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ}سورة الحج 28وقال:{فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْنَـاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورةالحج36.فالقانع:السائل،والمعتَرّ:المتعرض للعطية بدون سؤال،وقيل القَانِعُ:الجَالِسُ فِي بَيْتِهِ،وَالمُعْتَرُّ:الَّذِي يَسْأَلُكَ،وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال كلوا وأطعموا وادخروا)رواه البخاري والإطعام يشمل الهدية للأغنياء والصدقة على الفقراء،وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا)رواه مسلم.
ـ ومن نذر الأضحية فلا يحل له الأكل منها؛سواءٌ أكان النَّاذِرُ غنيًّا أم فقيرًا،لأنه أخرجها لله فلا يجوز الرجوع فيه؛فلا يأكل منها لا هو ولا من يعولهم ولا الأغنياء وإنما للفقراء فقط ،لأن محلّ النذر هو التصدق في سبيل الله،فمصرفها هم الفقراء لا غير؛فإن أكل أو أهدى ضمن مثل ما أكل أو غُرِّمَ القيمة للفقراء.
ـ وَجَوَّزَ المالكية وبعض الحنابلة الأكل من النذر المطلق الذي لم يُعَيّن جهة صرفها ولم يُسَمِّهِ للمساكين لا.بلفظ ولا بنيَّة.
الأجرة عن قيمة الذبح
لا يجوز إعطاء القصاب من اللحم أو الجلد وجعله أجرة عن قيمة الذبح،فهو مكروه تحريمًا،بل يعطى ثمن الذبح،فإن دفع له أجرته ثم أعطاه اللحم لِفَقْرِهِ أَوْ عَلَى سَبِيل الْهَدِيَّةِ فَلاَ بَأْسَ.أما الجلد فلا يجوز بيعه لقوله صلى الله عليه وسلم مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلاَ أُضْحِيَّةَ لَهُ)رواه الحاكم والبيهقي؛وقوله لعلي رضي الله عنه (تَصَدَّقْ بِجِلالِها وَخُطُمِها وَلا تعطِ الجَزَّارَ مِنهَا شَيئًا)رواه مسلم وغيره؛لأن ذلك بمعنى البيع،فيتصدق به للفقراء أو ينتفع به صاحب الأضحية وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْهَا.وعند أبي حنفية رحمه الله أنه يجوز بيع الجلد ويتصدق بثمنه.
ومن أهدي إليه شيء منها أو تصدق به عليه فله التصرف فيه بما شاء من بيع وغيره،غير أنه لا يبيعه على مَنْ أهداه أو تصدق به.
التضحية سنّة كفايةٍ في حقّ أهل البيت الواحد
إنَّ الأضحية سنة على الكفاية،فكما أن الفرض ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية فهي كالابتداء بالسلام وتشميت العاطس.فإذا فعلها أحد من أهل البيت تأدى عن الكل الشعار وحق السُنّة،من حيث كونها شعيرة من شعائر الإسلام؛فتسد عن أهل بيته ولو كثر عددهم،بأن طبقت هذه السُنُّّة في هذا البيت،لا حصول الثّواب لكلٍّ منهم،بل فقط لصاحب الأضحية،إلاّ إذا قصد المضحّي تشريكهم في الثّواب؛والأموات تبعًا للأحياء من أهل بيته؛حيث يجزئ أن يضحّي الإنسان بالأضحيّة الواحدة الّتي يملكها وحده ناويًا إشراك غيره معه في الثّواب.
ـ فمن حيث كونها فعل خير يصح أن يجعل ثواب عمله لغيره من الأحياء والأموات،قلّوا أو كثروا،أهل بيته كانوا أو غيرهم؛أما من حيث كونها سنة يخاطب بها القادر عليها فلا تكفي الشاة إلاّ عن واحد .
ـ عن أبي رافع رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي بكبشين أحدهما عنه وعن .آله،والآخر عن أمته جميعًا) رواه أحمد.وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال
كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته،فيأكلون ويطعمون) رواه ابن ماجه والترمذي وصححه.
التضحية عن الميت
ــ يجب التضحية عن الميت،إذا أوصى بها،وأراد أحد الورثة أو غيره أن يُضَحِّي عنه من ماله أو(مال المتطوع).
ــ أما إذا لم يوص بها:فقالوا:
ـ تصح التضحية عن الميت،كالصدقة عنه وكالحج.
ـ وقيل:تعتبر كالقضاء عنه.
ـ وفي قول آخر تكره،وقيل لا تصح:وفسَّرَ هؤلاء قولهم بأنّ الأضحية:هي ما يذبح تّقرّبًا للّه تعالى،وشّكرًا له على نعمة الحياة لا الممات،فشرعت في حق الحي لا الميت،كصدقة الفطر على الأحياء عند عيد الفطر،فلا أضحية على الميت؛فإذا فُعِلَتْ فهي صدقة وليست أضحية؛فلا يصل إليه أجر وثواب الأضحية التي بأول قطرة من دمها يُغفَر له ما سلف من ذنوبه،بل أجر وثواب صدقة- وهي تصل إليه وينتفع بها وفيها أجر كبير أيضًا-. ثم قالوا:لكنَّه إذا اشترى الأضحية ومات قبل أن يُضَحِّي أو ترك مالاً يريد أن يُضَحِّي به،فهنا يُضَحَّى بها بعده،وتقع له أضحية.
ـ فبذلك تصح التضحية عن الميت وإن لم يوصِ بها،لأنها ضرب من الصدقة؛والصدقة تصح عن الميت وتنفعه وتصل إليه بالإجماع؛وقد ضَحَّى النبي صلى الله عليه وسلم عن أمته،فدخل في أضحيته الأحياء منهم والأموات،فلو لم تنفعهم لكان ذلك عبثًا.
ـ وإنَّ ذَبْحَهَا أفضل من الصدقة بثمنها،لأنَّه لا عملَ أحَبّ إلى الله وأفضل من إراقة الدم في هذه الأيام،وَيَدُل لأَِفْضَلِيَّةِ التَّضْحِيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى وَالْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ،وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَل لَعَدَلُوا إِلَيْهَا،وَمَا رَوَتْهُ السيدة عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالhttp://www.islamnor.com/vb/images/smilies/frown.gifمَا عَمِل ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلاً أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِرَاقَةِ دَمٍ وَأَنَّهُ لَيُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَأَشْعَارِهَا،وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْل أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَْرْضِ،فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا)أخرجه ابن ماجه. وَلأَِنَّ إِيثَارَ الصَّدَقَةِ عَلَى الأُْضْحِيَّةِ يُفْضِي إِلَى تَرْكِ سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . .
والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب