السفير
26-02-2011, 03:02 AM
هل ندعو لقلوبنا؟
عبيدالله بن أحمد القحطاني
الحمد لله الذي يعلم ما تخفي القلوب والخواطر ، ويرى خائنة الأحداق والنواظر ، المطّلع على خفيات السرائر ، العالم بمكنونات الضمائر ، المستغني في تدبير الكون عن المشاور والمؤازر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقلّب القلوب ، وغفار الذنوب ، وستير العيوب ، ومفرج الكروب . وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين ، وجامع شمل الدين ، وقاطع دابر الملحدين ، صلى الله وسلم عليه ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين . أما بعد:
فإن من أشهر الأحاديث النبوية حديث النعمان بن بشير المتفق عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) رواه البخارى و مسلم .
ويهمني في هذا المقام الجزء الأخير من الحديث وهي قوله صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) .
لأن حديثي هنا عن القلب والذي يظهر من هذا الحديث أنه هو الذي يتولى توجيه الجوارح فهي المقصودة بلفظة الجسد, ويزداد الأمر أهمية بالنظر إلى حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم
فلأنه كذلك فلا بد من الحرص على صلاحه وإصلاحه وسأتكلم عن وسيلة مهمة من وسائل هذا الإصلاح لا ينبغي الغفلة عنها هذه الوسيلة تتبين بالجواب على هذا السؤال:
هل ندعو لقلوبنا؟
وهناك سؤال آخر
هل في النصوص الشرعية أدعية تخص القلب؟
وأترك جواب السؤال الأول للقارئ أما السؤال الثاني فالجواب نعم توجد نصوص في القرآن وفي صحيح السنة فيها تخصيص القلب بالدعاء وسأذكرها هنا
أولا من القرآن:
1 – قوله تعالى: ( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) آل عمران آية رقم 8
فهذا دعاء بسلامة القلب من الزيغ عن الهدى.
2 - قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) سورة الحشر الآية 10
وهذا دعاء بسلامة القلب من الغل وهو من أعظم أسباب دخول الجنة وفي هذا الحديث مايدل على ذلك فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه( كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة ، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال ، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم : مثل ذلك ، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى ، فلما كان اليوم الثالث ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : مثل مقالته أيضا ، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول ، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو ، فقال : إني لاحيت أبي ، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثا ، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت . قال : نعم . قال أنس : فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه تعار تقلب على فراشه ذكر الله عز وجل ، وكبر حتى صلاة الفجر . قال عبد الله : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا ، فلما مضت الثلاث الليالي ، وكدت أن أحتقر عمله قلت : يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات : يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة ، فطلعت أنت الثلاث مرات ، فأردت أن آوي إليك ، فأنظر ما عملك ، فأقتدي بك ، فلم أرك عملت كبير عمل ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ما هو إلا ما رأيت ، فلما وليت دعاني : ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه فقال عبد الله : هذه التي بلغت بك ). (رواه أحمد والنسائي وإسناده صحيح ) .
الله أكبر أيها الأحبة ما أعظم هذه البشرى فكيف حال قلوبنا هل منا اليوم من يستطيع أن يقول مقالة هذا الأنصاري المبشر بالجنة إذا فالدعاء الدعاء.
ثانيا : من السنة النبوية :-
1 – اللهم جدد الإيمان في قلبي
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله تعالى : أن يجدد الإيمان في قلوبكم) صححه الألباني : انظر حديث رقم: 1590 في صحيح الجامع. والفرق واضح بين حال الثوب جديدا وحاله باليا قديما
2 – اللهم إني أسألك قلبا سليما
ففي حديث عظيم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ياشداد بن أوس ! إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة ؛ فأكثر هؤلاء الكلمات : اللهم ! إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، وأسألك موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، وأسألك شكر نعمتك ، وحسن عبادتك ، وأسألك قلبا سليما ، ولسانا صادقا ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم ؛ إنك أنت علام الغيوب) صححه الالبانى ولا يخفى ما لسلامة القلب من أهمية للنجاة يوم القيامة قال تعالى : ( وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)) سورة الشعراء والقلب السليم، وهو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شركٌ بوجه ما، بل قد خلصت عبوديته لله تعالى إرادةً ومحبّةً وتوكُّلاً وإنابةً وإخباتًا وخشيةً ورجاءً، وخلُص عملُه لله، فإن أحبَّ أحبَّ في الله، وإن أبغض أبغض في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله، ويكون الحاكم عليه في أموره كلّها هو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يتقدّم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل وسلم من الشبهات ومن التعلق الشهوات ومن الأمراض المهلكة كالرياء والنفاق والغل والحسد وغيرها من أمراض القلوب.
3 – اللهم يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ
ففي سنن الترمذي حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ أَبِي كَعْبٍ صَاحِبِ الْحَرِيرِ حَدَّثَنِي شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ قَالَتْ كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ دُعَاءَكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ قَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ فَتَلَا مُعَاذٌ{ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } وَفِي الْبَاب عَنْ عَائِشَةَ وَالنَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَنُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ قَالَ أَبُو عِيسَى وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
وجاء في رواية أخرى عن أنس بن مالك قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول اللهم ثبت قلبي على دينك فقال رجل يا رسول الله تخاف علينا وقد آمنا بك وصدقناك بما جئت به فقال إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقلبها وأشار الأعمش بإصبعيه) قال الألباني صحيح
فهذا من أهم الأدعية للقلب لاهتمام النبي صلى الله عليه وسلم به فكيف بنا؟
4 - اللهم مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك
فعن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن . كقلب واحد . يصرفه حيث يشاء . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم ! مصرف القلوب ! صرف قلوبنا على طاعتك) صحيح مسلم .
5 – اللهم اهد قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة قلبي
فقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو وذكر دعاء طويلا ذكر فيه (......... رب تقبل توبتي ، واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي ، وثبت حجتي ، واهد قلبي وسدد لساني ، واسلل سخيمة قلبي) صحيح الاسناد السخيمة، والسخمة بالضم: الحقد
6 - اللهم حبب إلي الإيمان وزينه في قلبي.
فعن عبيد بن رفاعة الزرقي عن أبيه أنه سمع من دعوات للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد قوله (..... اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم توفنا مسلمين ، و أحينا مسلمين و ألحقنا بالصالحين ، غير خزايا ، و لا مفتونين .....) والحديث رواه أحمد وصححه الألباني في تعليقه على فقه السيرة.
وهذه من منن الله التي من بها على الصحابة وذكرهم بها كما في سورة الحجرات قال تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ(7 ) فأنعم بخصلة اتصف بها خير الناس بعد الرسل.
7 – ومنها عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال (كان يعلمنا كلمات ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها وأتمها علينا ) ضعفه الالبانى
8 -ومنها : اللهم إني أعوذ بك من شر قلبي
وكذلك اللهم اجعل في قلبي نورا
وكذلك اللهم نق قلبي من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
وكذلك اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري
وهذه الأدعية ثبتت كلها في أحاديث صحيحة متفرقة.
وكل دعاء يتعلق بالحالة التي ينبغي عليها القلب فلا مانع منه مثل:
اللهم اصلح قلبي واذهب قسوته وطهره من النفاق والرياء واجعله قلبا مطمئنا لينا مخبتا منيبا ولاتنزع منه الرحمة يارب العالمين.
فهذه أيها الإخوة والأخوات أدعية من الكتاب والسنة تبين بها أهمية هذا الأمر الذي ربما غفل عنه الكثير منا.
أسأل الله لنا جميعا الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح إنه سميع مجيب
عبيدالله بن أحمد القحطاني
الحمد لله الذي يعلم ما تخفي القلوب والخواطر ، ويرى خائنة الأحداق والنواظر ، المطّلع على خفيات السرائر ، العالم بمكنونات الضمائر ، المستغني في تدبير الكون عن المشاور والمؤازر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقلّب القلوب ، وغفار الذنوب ، وستير العيوب ، ومفرج الكروب . وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين ، وجامع شمل الدين ، وقاطع دابر الملحدين ، صلى الله وسلم عليه ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين . أما بعد:
فإن من أشهر الأحاديث النبوية حديث النعمان بن بشير المتفق عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) رواه البخارى و مسلم .
ويهمني في هذا المقام الجزء الأخير من الحديث وهي قوله صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) .
لأن حديثي هنا عن القلب والذي يظهر من هذا الحديث أنه هو الذي يتولى توجيه الجوارح فهي المقصودة بلفظة الجسد, ويزداد الأمر أهمية بالنظر إلى حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم
فلأنه كذلك فلا بد من الحرص على صلاحه وإصلاحه وسأتكلم عن وسيلة مهمة من وسائل هذا الإصلاح لا ينبغي الغفلة عنها هذه الوسيلة تتبين بالجواب على هذا السؤال:
هل ندعو لقلوبنا؟
وهناك سؤال آخر
هل في النصوص الشرعية أدعية تخص القلب؟
وأترك جواب السؤال الأول للقارئ أما السؤال الثاني فالجواب نعم توجد نصوص في القرآن وفي صحيح السنة فيها تخصيص القلب بالدعاء وسأذكرها هنا
أولا من القرآن:
1 – قوله تعالى: ( رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) آل عمران آية رقم 8
فهذا دعاء بسلامة القلب من الزيغ عن الهدى.
2 - قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) سورة الحشر الآية 10
وهذا دعاء بسلامة القلب من الغل وهو من أعظم أسباب دخول الجنة وفي هذا الحديث مايدل على ذلك فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه( كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة ، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال ، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم : مثل ذلك ، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى ، فلما كان اليوم الثالث ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : مثل مقالته أيضا ، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول ، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو ، فقال : إني لاحيت أبي ، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثا ، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت . قال : نعم . قال أنس : فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه تعار تقلب على فراشه ذكر الله عز وجل ، وكبر حتى صلاة الفجر . قال عبد الله : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا ، فلما مضت الثلاث الليالي ، وكدت أن أحتقر عمله قلت : يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات : يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة ، فطلعت أنت الثلاث مرات ، فأردت أن آوي إليك ، فأنظر ما عملك ، فأقتدي بك ، فلم أرك عملت كبير عمل ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ما هو إلا ما رأيت ، فلما وليت دعاني : ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه فقال عبد الله : هذه التي بلغت بك ). (رواه أحمد والنسائي وإسناده صحيح ) .
الله أكبر أيها الأحبة ما أعظم هذه البشرى فكيف حال قلوبنا هل منا اليوم من يستطيع أن يقول مقالة هذا الأنصاري المبشر بالجنة إذا فالدعاء الدعاء.
ثانيا : من السنة النبوية :-
1 – اللهم جدد الإيمان في قلبي
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب ، فاسألوا الله تعالى : أن يجدد الإيمان في قلوبكم) صححه الألباني : انظر حديث رقم: 1590 في صحيح الجامع. والفرق واضح بين حال الثوب جديدا وحاله باليا قديما
2 – اللهم إني أسألك قلبا سليما
ففي حديث عظيم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ياشداد بن أوس ! إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة ؛ فأكثر هؤلاء الكلمات : اللهم ! إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، وأسألك موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، وأسألك شكر نعمتك ، وحسن عبادتك ، وأسألك قلبا سليما ، ولسانا صادقا ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم ؛ إنك أنت علام الغيوب) صححه الالبانى ولا يخفى ما لسلامة القلب من أهمية للنجاة يوم القيامة قال تعالى : ( وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)) سورة الشعراء والقلب السليم، وهو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شركٌ بوجه ما، بل قد خلصت عبوديته لله تعالى إرادةً ومحبّةً وتوكُّلاً وإنابةً وإخباتًا وخشيةً ورجاءً، وخلُص عملُه لله، فإن أحبَّ أحبَّ في الله، وإن أبغض أبغض في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله، ويكون الحاكم عليه في أموره كلّها هو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يتقدّم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل وسلم من الشبهات ومن التعلق الشهوات ومن الأمراض المهلكة كالرياء والنفاق والغل والحسد وغيرها من أمراض القلوب.
3 – اللهم يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ
ففي سنن الترمذي حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ أَبِي كَعْبٍ صَاحِبِ الْحَرِيرِ حَدَّثَنِي شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ قَالَتْ كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ دُعَاءَكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ قَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ فَتَلَا مُعَاذٌ{ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } وَفِي الْبَاب عَنْ عَائِشَةَ وَالنَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَنُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ قَالَ أَبُو عِيسَى وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
وجاء في رواية أخرى عن أنس بن مالك قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول اللهم ثبت قلبي على دينك فقال رجل يا رسول الله تخاف علينا وقد آمنا بك وصدقناك بما جئت به فقال إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل يقلبها وأشار الأعمش بإصبعيه) قال الألباني صحيح
فهذا من أهم الأدعية للقلب لاهتمام النبي صلى الله عليه وسلم به فكيف بنا؟
4 - اللهم مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك
فعن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن . كقلب واحد . يصرفه حيث يشاء . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم ! مصرف القلوب ! صرف قلوبنا على طاعتك) صحيح مسلم .
5 – اللهم اهد قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة قلبي
فقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو وذكر دعاء طويلا ذكر فيه (......... رب تقبل توبتي ، واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي ، وثبت حجتي ، واهد قلبي وسدد لساني ، واسلل سخيمة قلبي) صحيح الاسناد السخيمة، والسخمة بالضم: الحقد
6 - اللهم حبب إلي الإيمان وزينه في قلبي.
فعن عبيد بن رفاعة الزرقي عن أبيه أنه سمع من دعوات للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد قوله (..... اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم توفنا مسلمين ، و أحينا مسلمين و ألحقنا بالصالحين ، غير خزايا ، و لا مفتونين .....) والحديث رواه أحمد وصححه الألباني في تعليقه على فقه السيرة.
وهذه من منن الله التي من بها على الصحابة وذكرهم بها كما في سورة الحجرات قال تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ(7 ) فأنعم بخصلة اتصف بها خير الناس بعد الرسل.
7 – ومنها عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال (كان يعلمنا كلمات ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها وأتمها علينا ) ضعفه الالبانى
8 -ومنها : اللهم إني أعوذ بك من شر قلبي
وكذلك اللهم اجعل في قلبي نورا
وكذلك اللهم نق قلبي من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
وكذلك اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري
وهذه الأدعية ثبتت كلها في أحاديث صحيحة متفرقة.
وكل دعاء يتعلق بالحالة التي ينبغي عليها القلب فلا مانع منه مثل:
اللهم اصلح قلبي واذهب قسوته وطهره من النفاق والرياء واجعله قلبا مطمئنا لينا مخبتا منيبا ولاتنزع منه الرحمة يارب العالمين.
فهذه أيها الإخوة والأخوات أدعية من الكتاب والسنة تبين بها أهمية هذا الأمر الذي ربما غفل عنه الكثير منا.
أسأل الله لنا جميعا الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح إنه سميع مجيب