[glow=#07b3bf]كلما حاولت أن أمسك القلم لأكتب زاوية هذا الأسبوع ، لا تفارق ذهني المشاهد الدراماتيكية التي تجري في ميدان التحرير في قلب قاهرة المعز وفي المدن الأخرى ، فقلوبنا مع الشقيقة مصر ، قلوبنا مع شعب مصر الطيب ، قلوبنا مع " أم الدنيا " ، ودعواتنا أن لا تفضي الأحداث الجارية إلى إشاعة الفوضى والتخريب ، أمنياتنا أن يعود الأمن والنظام والاستقرار للبلد ..
أن الأحداث في مصر، ومن قبل في تونس ، ما تزال ، تفرض نفسها على المنطقة والعالم ، فالجميع يطالع في الصحف ، و متسمر أمام الشاشات التلفزيونية ، ومواقع الانترنت ، التي تنقل تطورات الأحداث ساعة بساعة ، وتكثر التحليلات وتتوارد التكهنات ، في سابقة غير مألوفة كثيرا في بلداننا العربية ، والتي غالبا ما لا يتم الالتفات إلى أصوات الرأي العام ، صوت الأغلبية الساحقة والمسحوقة ، إلا بعد أن تتحول هذه الأصوات إلى ما يشبه كرة الثلج المتدحرجة التي تزداد حجما كلما تدحرجت إلى الأمام !!
أصبح " ميدان التحرير " في قلب القاهرة ، بؤرة الأحداث ، بل صانع للأحداث ، فمن مظاهرات مناهضة لنظام الحكم ، إلى أخرى مؤيدة له ، ومواطنون يعبرون عن مطالبهم عبر هتافات ولافتات معبرة ، إلى منظر " بلطجية " يعتدون على هؤلاء بالسكاكين والعصي والهراوات ، والشرطة التي يجب أن تكون " في خدمة الشعب " انسحبت من الميدان في لحظة عصيبة ، فخدمت الشعب المتظاهر على طريقتها المعهودة ، والجيش المصري نراه حائرا ، مترددا ، بين الطرفين !! ، فغاب القانون ساعات وساعات، وسادت الفوضى، وحدث الهرج والمرج وفعلا أختلط الحابل بالنابل، وساد الغموض في الذي بينهما .. أو من يحركهما !!
ومما زاد الأمر غرابة ودهشة ، نزول مجموعة " كوماندوز " مدربون جيدا لمثل هذه الأحداث ، يركبون الجمال والخيول ، لتدمير المسيرة المليونية بأسلوب كشف عمق المأزق الذي يعيشه النظام ، الذي تأخر كثيرا للاستجابة لما يريده الناس ، وكأن الأنظمة العربية لا تتعظ من دروس غيرها ، ودرس تونس ليس ببعيد !!
ولأن شعوبنا العربية ومعها العالم الثالث والنامي لم يتح لها المجال لممارسة حق التعبير عن الرأي بطريق حضاري وسلمي ، والأمر لايتعلق بالشعوب نفسها ، بل بالأنظمة السياسية التي تتجاهل أرادة الشعوب وتصادر حقوقها وتنصب نفسها حكما وخصما في الوقت نفسه ، لذلك فالمواطن عندما يجد فسحة من الحرية للتنفيس لا يكتفي بالتعبير السلمي عن مطالبه بل يتعدى الأمر كما رأينا إلى ممارسات تسيء للهدف النبيل من وراء التظاهرات والاحتجاجات ، ويندس عادة نفر شاذ من الغوغاء والعابثين ليسيئوا للانتفاضة ، وليعثوا في الأرض فسادا وتدميرا ، والبعض الآخر من المواطنين يندفع مع التيار الجارف ،يحركه الفعل الجمعي، لتدمير الممتلكات العامة والخاصة ، مدفوعا بدافع الرغبة للثأر من سنوات الحرمان والتهميش الطويلة !!
في الدول الغربية التي توصف بالمتحضرة والمتقدمة ، يمارس الناس نفس ما يحدث بميدان التحرير كل يوم تقريبا وسط حماية الشرطة وبترخيص منظم ، فلا اعتداء ولا تخوين و لا تدمير ولا تخريب ولا نهب ولا سلب ، فالحكومات الغربية كثيرا ما تعول على الرأي العام وتحسبه مجسا حقيقيا لقياس كفاءة أدائها ، وأن الإصلاحات غالبا ما يصنعها الناس بمطالبيهم وتترجمها الحكومات إلى برامج عمل ، دون الحاجة لانقلابات عسكرية أو انتفاضات شعبية لا يعرف عواقبها ، فما حدث في القاهرة ، عبر عنه نائب الرئيس المصري السيد عمر سليمان ، بقوله : أن أحداث 25 يناير ( كانون الثاني ) 2011 هي الشرارة التي أوقدت الإصلاح...” !!
وأن يأتي الإصلاح، ولو متأخرا جدا، خير من أن لا يأتي أبدا !![/glow]