5. البرنامج اليومي لعمل الملك عبدالعزيز
كان موظفو الديوان الملكي يقولون، إنهم يضبطون ساعاتهم على تنقلات الملك وأعماله اليومية المعتادة، كخروجه من قصره الداخلي، وعودته إليه، وجلوسه للنظر في الأعمال، وقيامه للنزهة، وابتدائه السهرة، وغير ذلك. فهو من أشد الناس محافظة على برنامج عمله، حتى في أسفاره، أيام كانت مطاياه ظهور الخيل والإبل.
اعتاد أن يستيقظ قبل الفجر بنحو ساعة، أي في الثلث الأخير من الليل، فيقرأ سوراً من القرآن الكريم، ويتعبد ويتهجد، وكثيراً ما يُـسمع له نشيج. ويستمر إلى أن يؤذن الفجر، فيصلي الصبح مع الجماعة، ويسبّح، ويقرأ ورد الصباح. ويدخل فيضطجع إلى أن تشرق الشمس. ثم ينهض فيغتسل، ويلبس ثيابه ويتناول طعام الإفطار. وفي الثامنة صباحاً يخرج إلى المجلس الخاص، فتُعرض عليه مهام الحكومة في فترة غير طويلة، يأذن بعدها بالمقابلات الخاصة لكبار الزوار، كما يقابل شيوخ البدو، ويسمع شكوى المشتكي ونصح الناصح، ويتباحث مع زواره في شؤونهم.
ثم ينتقل إلى المجلس العام، حيث يدخل كل من يريد مقابلته. ويقضي في ذلك نحو ساعة، يمضيها في حديث أشبه بخطابة، فيما يهم أمر الدين والدنيا. فإذا اقترب وقت الظهر، نهض للغداء، ومنه إلى القصر فيستريح قليلاً، ثم يصلي الظهر مع الجماعة، ويعود إلى مجلسه الخاص، فيعرض عليه ما تجدد من الشؤون العامة، إلى صلاة العصر. ويجلس بعدها لإخوانه وأولاده وأقاربه وكبار الموظفين، يسامرهم. ثم يخرج بسيارته إلى ظاهر المدينة للرياضة، ويعود بعد صلاة المغرب.
وبعد العشاء يجلس في مجلس شبه عام. وهناك يحضر القارئ، فيتلو فصولاً من كتب مختلفة، في الحديث والتفسير والتاريخ والأدب، كما تقدم. وبعد قليل، يدخل قارئ الإذاعة العربية، فيتلو ما التقط من محطات الإذاعة الشرقية من متنوع الأخبار. ويأتي بعده قارئ الإذاعات الأجنبية، علي النفيسي، وقد ترجم أهم ما أذيع. ويتكرر دخول قراء الإذاعات في الضحى، وبعد العصر، والهزيع الأول من الليل.
وفي نحو الساعة الرابعة بالتوقيت العربي، (العاشرة زوالية) مساء، ينفض المجلس بنهوض الملك عائداً إلى داخل القصر، بعد أن يتلطف بكلمات يختمها بتحية الجميع: السلام عليكم.
وكان هناك أفراد قلائل من الخاصة، في مقدمتهم عبدالله السليمان، لم يكونوا يحجبون عن الدخول عليه في أوقات راحته وتهجده، قبل الفجر، وبعد صلاة الصبح، يعرضون ما يعن لهم من أنباء أو مقترحات أو همسات، وهو يصغي، ويستوعب ما يقال، وربما كان بين النائم واليقظان.
وهذه صورة أخرى لبرنامج عمل الملك يرسمها المانع:
وكان الملك يبدأ عمله اليومي في القصر حوالي الساعة الثامنة صباحاً، حيث يقدم له رئيس التشريفات، إبراهيم بن جميعة، أسماء الذين يودون مقابلته ذلك اليوم. وكان على من يرغب أن يرى الملك، أن يرتب ذلك مع إبراهيم، ولكن الملك كان من الناحية الواقعية يرى تقريباً كل إنسان يود مقابلته. وكان يبدأ بمقابلة من لديهم أمور مهمة، في مجلس خاص، حيث يقدمون له واحداً بعد آخر طبقاً لأسبقيتهم ومكانتهم. فإذا أخذ عدد هؤلاء في التناقص، بدأ بتصريف الرسائل اليومية. وكان من المألوف أن تراه يتحدث إلى أحد زعماء البادية، وهو يملي رسالتين في وقت واحد.
وكان للملك قدرة فذة في فهم النّقاط المهمة، في أية قضية يُسأل عنها. كما كان قادراً، دائماً، على إعطاء إجابة فورية كاملة، بعبارات موجزة مختارة. وبهذه الطريقة كان كل من يشهد مجلسه يغادره وهو مرتاح، لأنه قد نال من جلالته اهتماماً شخصياً. ونادراً ما كان المجلس العام يدوم أطول من أربعين دقيقة، لكن كمية العمل، التي كانت تنجز فيه، مدهشة.
وكانت فترة عمل الملك الصباحية تنتهي، عادة، بنهاية مجلسه العام. ثم يتناول غداءه ويستريح لدى أهله، حتى أذان الظهر. وبعد الصلاة، يجتمع بالشعبة السياسية، التي كانت وظيفتها إبداء المشورة للملك، من دون أن تكون لها أية سلطة تنفيذية. وكان بعض أعضائها رجالاً أقوياء ومهمين. وكان الملك يطرح الموضوع الذي يود أن يستشير الأعضاء فيه، فيناقش مناقشة عامة يبدي خلالها كل عضو رأيه الحقيقي بحرية، ويقدم ما يراه من اقتراحات. ثم يُنهي الملك المناقشة حين يظن أن الأمر نال ما يستحق من نقاش، ويتخذ قراره الخاص تجاهه. ولم يكن أحد من أفراد الشعبة يفكر أبداً، في اقتراح موضوع للمناقشة بمبادرته الشخصية، لأن ذلك كان خاصاً بالملك وحده.
وبعد أن يُنهي الملك اجتماعه بمستشاريه، يخرج وعدد قليل من حاشيته، بجولة في السيارة في ضواحي المدينة، حتى قرب غروب الشمس. وكان الملك يحب التجول في السيارة. وكانت لذلك فائدته، إذ يتيح لشعبه أن يراه يومياً. وكان أحياناً يذهب مسافة قصيرة في الصحراء، حيث يؤدي صلاه المغرب قبل أن يعود إلى القصر، لتناول العشاء. وكان أحد الأمكنة الأثيرة لديه في الصحراء تلاً ـ اسمه أبو مخروق ـ ذا سمة مميزة، إذ يوجد في أعلاه قوس طبيعي متكون من الصخر ذاته. ومع نمو الرياض في السنوات الأخيرة أصبح هذا التل في حي الملز، ضمن المدينة. ولأهميته لدى الملك، حوفظ عليه بعناية، وجعل تذكاراً وطنياً.
واستمر روتين ديوان الملك كما هو، سواء كان في مكة المكرمة أو في الرياض. ولم يكن عمل المرء في خدمة الملك، بأية حال، عملاً مستقراً في المدينة دائماً. ذلك أن من سمات الديوان الفريدة، أن كل أفراده، تقريباً، كانوا يسيرون مع الملك أينما سار